مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اعرف عدوك: التدخلات الأجنبية في لبنان‏ الأصابع الصهيونية

حسن زعرور

 



هل بات الإستقواء بالغير حالة وراثية تولد مع جينية الفرد اللبناني جيلاً بعد جيل؟ يؤشر على ذلك موات حوافز الرفض للتدخلات الأجنبية في ذاتية الفرد، والقبول المذل بإملاءاتها في الشؤون اللبنانية، وتبرير وتبسيط وخلق الحجج الممالئة للهيمنة الأميركية الإسرائيلية على القرار اللبناني تحت حجة حماية لبنان، وممّن؟

* ذاكرة الأمس وقبله‏
يستورد لبنان الأرزّ، ومع ذلك ننثره مع الورد على كل قادم إلى بلادنا يدّعي حمايتنا، ثم لا نلبث إلا قليلاً ونصب عليه اللعنات، مستقبلين آخر بالأرزّ والورد أيضاً آتياً ليحررنا من المحرر الأول. لن نسأل عن ذلك نهر الكلب وستة وعشرين قرناً من الاحتلالات والمحررين، منذ نبوخذ نصر الثاني وفرقة ماركوس الغالية، فالإغريق والآشوريين والبابليين والمصريين... الخ، ولكننا نعود إلى الأمس القريب وعام 1840، يومها كان الخلاف على أشده بين محمد علي باشا والي مصر والسلطنة العثمانية، وعلى أشده بين البريطانيين والفرنسيين في سعيهم لاستعمار البلاد الأخرى، دعمت فرنسا محمد علي ودعمت بريطانيا السلطنة العثمانية وكان الهدف تفعيل الخلاف واستغلاله لإضعاف الطرفين مقدمة لوضع اليد على البلاد الخاضعة لهما(1). والمضحك المبكي أن هؤلاء المحررين عادوا بعد سبعين عاماً ليحررونا من الاستعمار التركي الذي دعموه قبلاً ودعونا لطاعته، ولطالما لبّينا النداء.

لم يكتفِ البريطانيون بإعادة الهيمنة التركية على بلادنا، بل عمدوا إلى توزيع السلاح على اللبنانيين الذين والوهم وكذلك فعلت فرنسا، وعمل الطرفان بحجة حماية مصالح الموالين لهم على تفعيل الخلافات الطائفية. ازداد التدخل الأوروبي تباعاً بحجة حماية اللبنانيين، فرنسا والنمسا دعمتا المسيحيين الموارنة، الإنجليز دعموا الدروز، وأمّن الروس حماية الروم الأرثوذكس. وتحت ضغط الحُماة، وافق الباب العالي التركي على تقسيم لبنان إلى قائمقاميتين عام 1842 درزية ومسيحية يفصل بينهما طريق بيروت دمشق الشهير(2). أقيمت القائمقاميتان، وراح حماة الطوائف الغربيون يوغرون الصدور والخلاف الطائفي بهدف إثارة الخوف، ودفع الخائفين للوذ بهم والاستقواء. وبهذا أسس لبنان الطائفي الذي نعرفه اليوم، وهو تأسيس لكل ما لحق بلبنان وطوائفه مسلميه ومسيحييه من مآسٍ، وهو تأسيس أوجدته "الحرية" و"الحماية" "والتدخل الخارجي" وفرضته على بنيه فرضاً، من يومها والشرخ يزداد عمقاً ونزيفاً.

* الأصابع الصهيونية
عبرة الماضي التعلم من جراحه، نذكرها رغم الألم علّنا نبلسم مستقبل الوطن وأهله، آخذين الحكمة والعظة من آلامنا، وما أحدثه التدخل الخارجي بيننا، وكيف أن تهاوننا لوّن تاريخ وطننا بدماء أبنائنا وأعراض نسائنا، وأفقدنا حسّ البقاء كروحٍ واحدة معاً في جسد الوطن الواحد، ورغم ذلك لا نزال نحيا كما كان عليه أجدادنا قبل ما يزيد عن مئة عام، لا مبالاة ولا اتعاظ وركون إلى الألفاظ الحلوة التي يغدقها علينا التدخل الأجنبي، من دون أن نسأل الضمير فينا، ماذا أفادنا الغريب؟! في العام 1919 قدّم الوفد الصهيوني إلى مؤتمر الصلح في باريس مشروع "دولة صهيون" المزمع انشاؤها بموجب وعد بلفور، وهي تبدأ "شمالاً على البحر المتوسط قرب صيدا صعوداً مع نهر الأولي حتى جسر القرعون ومنه إلى البيرة (البقاع الغربي) باتجاه الخط الفاصل بين وادي القرعون ووادي التيم، ومنه جنوباً إلى المنحدر الغربي لجبل الشيخ حتى غربة بيت جن، ثم يتابع شرقاً إلى نهر مغنية وخط الحجاز الحديدي ومنه إلتفافاً إلى خليج العقبة. بمعنى أن الدولة الصهيونية سوف تشتمل على لبنان الجنوبي، ومرتفعات الجولان وينابيع الحمة المعدنية ووادي الأردن بكامله مع البحر الميت والمرتفعات الشرقية على مشارف عمّان. وجاء في مذكرة تفصيلية مرفقة "إن هذه الحدود هي ضرورة حياة البلاد... إن جبل الشيخ هو الأب الحقيقي لمياه دولتنا ولا يمكن فصلها عنه دون توجيه ضربة قاضية لبقائها"(3).

تلك هي مزارع شبعا التي خطط الإسرائيليون لاحتلالها مع الجولان منذ أكثر من تسعين عاماً وهي عصب وجودها لثلوجها والمياه، ونتلهى نحن بالتحليلات وتفرض دولة العدو واقعها لا بل أنها تقنع به الكثيرين ولنرَ. لم تكن "إسرائيل" تترك شيئاً للصدف وإنما للخطط وبعضها بدأت العمل به لتفتيت لبنان حتى قبل قيامها، في عام 1941 أرسل اليشوف (الموساد لاحقاً) 25 عنصراً من الهاغاناه على متن زورق صغير من حيفا إلى طرابلس لنسف مصافي النفط فيها وخلق البلبلة، غير أن الزورق ويدعى سي ليون إختفى مع العناصر ولم يعرف مصيرهم إلى اليوم(4). وفي عام 1945 قام إيغال ألون مسؤول الاستخبارات العسكرية حينذاك بإنشاء قواعد عملانية لمنظمته في بيروت ومعظم عناصرها من اللبنانيين الذين كان دورهم بث التفرقة والخلاف بين الطوائف ومنهم أحد الوزراء، ومرشح نيابي كان اسمه الحركي يائيل(5).

كما تم تكليف أحد كبار عملاء الموساد ويدعى الدكتور علي بدرخان وهو ممثل لإحدى الحركات الأقلية في أوروبا بالسفر إلى لبنان عام 1948 لوضع مخطط لإيقاع الفتنة بين الدروز والمسيحيين(6). كما كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه شاريت في يومياته المؤرخة في 27 شباط 1954 أن "إسرائيل" أقامت علاقات مع بعض اللبنانيين للعمل ضمن أهداف وضعتها إسرائيل لتفتيت لبنان وإضعافه وإحداث انقلاب في سوريا يساعد إسرائيل على غزو لبنان" يومها لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية قد تأسست بعد. وكتب بن غوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في مذكراته لعام 1954 أن "لبنان هو الحلقة الأضعف، ومسيحيوه يمتلكون تراثاً وثقافة مختلفة عن بقية الدول العربية، وعليه فإن إقامة دولة مسيحية أمر طبيعي. في الأيام العادية قد يبدو الأمر مستحيلاً، ولكن من خلال الفوضى والاضطراب والحرب الأهلية تتغير الأشياء، ولن يحصل شي‏ء دون مبادرتنا ومساعدتنا الحيوية، هذه هي المهمة المركزية لنا لإحداث تغيير أساسي في لبنان، وعلى ألياهو ساسون وروفان سيلواه العمل على هذا الهدف من دون أن نبخل بالدولارات، ولا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا بتقليص حدود لبنان"(7). وفي 16 أيار 1955 عقد اجتماع لكبار مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليين للنظر في مستقبل لبنان، كان بن غوريون يومها وزيراً للدفاع وقدم في بداية الجلسة إقتراحاً للعمل على كسب ود الشيعة والدروز آملاً من ذلك تفكيك لبنان، واقترح موشيه دايان شراء ضابط مسيحي أو كابتن بسيط تعلنه إسرائيل منقذاً للسكان الموارنة لتبرير تدخل إسرائيلي تحت حجة حماية الأقلية المسيحية، ويعترف شاريت أن إسرائيل سعت لذلك منذ 17 حزيران 1955 محاولة شراء ضابط لبناني وإعداده لتنفيذ خطتها(8)، فهل فهمنا أسباب الحرب الأهلية عام 1975 ومَن وراءها ولماذا وكيف؟ وهل فهمنا حقيقة أسباب اجتياحها للبنان عام 1982؟ ونفهم أن إسرائيل وأميركا من ورائها تلهينا بالخلاف والجدل كي تظل مزارع شبعا محتلة إلى الأبد. إن الأشد عداء "لإسرائيل" هي الكثلكة، وعمر الصراع معها يزيد عن ألفي سنة، والحروب اليومية بين الجيش الأسود(*) وبينها ضارٍ ومخيف إلا أنه يجري في الظل لأكثر من اعتبار، ولبنان بمسيحييه يشكل القلب للكثلكة في الشرق وآخر معقل لها فيه، وتلاقي المسيحية مع الإسلام في لبنان يعني توحد جبهة الصراع أمام "إسرائيل" وإفشال طموحاتها ومخططاتها وهو ما لا تريده، لذا تسعى وخلفها التدخلات الأجنبية لتفتيت اللحمة الوطنية عن طريق إثارة المشاعر العاطفية الطائفية والخوف بين الطوائف وليس أسهل من خلق المبررات، وليس أسهل من تحريف الحقيقة وخلق الوقائع المضللة، غير أن هناك أمرين يصعب إبعاد اللبنانيين عنهما أيّاً تكن المخططات "محبة اللَّه ومحبة لبنان".


(1) هنتر، الأحداث السورية، ص‏12.
(2) روبرت فيسك، ويلات وطن، ص‏89.
(3) بن هالبرن، الاتحاد اليهودي، ص‏303.
(4) إيان بلاك بني موريس، الحروب السرية، ص‏35، دار الحرف العربي.
(5) المصدر السابق، ص‏97 42.
(6) المصدر السابق، ص‏63.
(7) حرب الألف سنة جوناثان راندل، ص‏157.
(8) مذكرات بن غوريون، مذكرات موشيه شاريت رئيس الوزراء الإسرائيلي.
(*) الجيش الأسود، اسم الجيش السري للرهبنة الكاثوليكية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع