النائب محمد رعد (*)
لم يكن الإمام الخميني قدس سره ليطلق شعاراً دعائياً ضد أمريكا لمجرد أن الحرب النفسية تقتضي ذلك، بل إن المتأمل في نظرة الإمام الراحل يلحظ لديه قناعة موضوعية جازمة بأن الإدارة الأمريكية سواء لجهة بنيتها الثقافية أو النفسية أو السياسية أو التنظيمية لا يمكن إلا أن تكون رأس حربة الشر في العالم. فالتكوين الثقافي والنفسي المماثل للتكوين الصهيوني الحاقد على الإنسانية والمستخف بأهلية "الأميين" للعيش الكريم، مع ما يستتبع ذلك من التزام بالعلمنة المموّهة بالتزامات شكلية ببقايا حضورٍ للمقدّس في التراث، إضافة إلى الاستغراق الكامل في الأطماع وأوهام التمكن والقدرة التي تعجز قوى العالم عن مواجهتها كل ذلك فضلاً عن التركيب التنظيمي للإدارة الذي لا يسمح بوجود أشخاص يملكون وجهات نظر ترتكز على قواعد رؤية مخالفة للتسلل إلى موقع القرار أو المشاركة فيه، وختاماً فإن النزعة الإمبراطورية للسيادة على العالم وتقرير مصيره هي حلم الطاقم السياسي كله في أمريكا المستند إلى القدرات والإمكانات الهائلة والتوظيف الخيالي الفائق السرعة للعلوم والإبداعات الجديدة في سبيل تعزيز القدرات والتفوق على كل صعيد.
إن هذه البنية المعقّدة والملتبسة التي ليس لها نافذة على القيم الإنسانية فضلاً عن الرسالية، ناهيك عن شبكات المصالح المتداخلة التي يسابق أصحابها سرعة الضوء في اصطياد الفرص النفعية في كل أرجاء العالم على حساب مصالح الشعوب الفقيرة والنامية وعلى حساب كرامتها وحقوقها الإنسانية، كل ذلك لا يدع شكاً لدى الإمام الخميني النافذ الرؤية أن يقارب بين ذلك التكوين البنيوي وما يصدر عنه وبين الشيطان وكبريائه وجموحه نحو التنكيل بالإنسان وصرفه عن الصراط المستقيم التزاماً بعهد قطعه على نفسه حين قال: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الأعراف: 17) فقرر أن يكون دوره تضليل الناس عن الحقيقة وحرفهم عن التزام صراط اللَّه الذي أقر الشيطان باستقامته (صراطك المستقيم). وحين يعبّر الإمام الخميني عن أمريكا بأنها الشيطان الأكبر فإنما يريد أن يرفع من درجة الحذر والنفور واليقظة والتوجس من مخاطر الأعمال والمشاريع التي تقوم بها أمريكا ذات العمق الشيطاني التركيب. ومما يجدر الإشارة إليه أن الإمام المقدس وصف أمريكا في وصيته الإلهية السياسية بأنها "الإرهابية ذاتاً" حين كان يتحدث عن الزعامات التافهة التي تلهث وراء مواقع السلطة بأي ثمن ولا تميز "بين العدو والصديق، وعلى رأسهم أمريكا هذه الإرهابية ذاتاً، هذه الدولة التي أضرمت النار في جميع أرجاء العالم، وحليفتها الصهيونية العالمية التي ترتكب لتحقيق مطامعها جنايات تخجل الأقلام والألسنة عن كتابتها وذكرها"(1).
إذاً... الإرهاب الأمريكي هو سمة ذاتية للإدارة وليس أمراً عارضاً... أو طارئاً... وهذا هو منشأ التوصيف الخميني لها بأنها الشيطان الأكبر.
(*) رئيس كتلة الوفاء للمقاومة
(1) الوصية التاريخية، ص15.