الشيخ نعيم قاسم
يهيِء اللَّه جلَّ وعلا الظروف الموضوعية للقيادة العالمية الواحدة والعادلة للإمام المهدي عجل الله فرجه، وعلى الرغم من الاختلافات البشرية الحادَّة، والظاهرة اليوم على المستوى الديني بين المسلمين والمسيحيين، فإن ظهور السيد المسيح عليه السلام في آخر الزمان يُعتبر خطوة جامعة للمسيحيين تحت لوائه، وبما أنهم ينتظرون مجيئه كمخلِّص لهم، فإنَّ انقيادهم له يكون سهلاً، فهي عودة لهم إلى ما ورد في إنجيلهم من قيامته وعودته. ثم تكون بيعة المسيح عليه السلام للإمام المهدي عجل الله فرجه وصلاته خلفه في القدس إعلاناً صريحاً بوحدانية قيادة المهدي عجل الله فرجه، والالتحاق به من جميع المؤمنين بالمسيح عليه السلام والإمام عجل الله فرجه، فيجتمع بذلك المسلمون والمسيحيون تحت لواء واحد، ليسود العالم منهج واحد ودين واحد.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ؤلو لم يبق في الدنيا إلاَّ يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم، حتى يخرج فيه ولدي المهدي عجل الله فرجه، فينزل روح الله عيسى بن مريم عليها السلام فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربِّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب"(1)، ومن الطبيعي أن يملأ الإمام الدنيا، وأن يبسط سلطانه على المعمورة بأسرها، طالما أنَّ الجميع منقاد له، وأنَّه ناجح في معاركه ضد الكفر العالمي والإقليمي، وقد أجمعت الآيات والروايات على وعد اللَّه بنصره الأكيد والشامل ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).
* كيف يبدو المشهد عند الظهور؟
يهزم الإمام عجل الله فرجه بني إسرائيل ومعهم كل من يساعدهم، فيتفاجأ الغرب المسيحي بذلك، ويعلن الحرب على الإمام عجل الله فرجه. في هذه الفترة يظهر السيد المسيح عليه السلام ويصلي خلف الإمام عجل الله فرجه في القدس، ثم يدعو العالم المسيحي إلى الالتحاق بقيادة الإمام عجل الله فرجه الحكيمة والعادلة. وفي رواية عن أمير المؤمنين علي عليه السلام يتحدث فيها عن صلاة المسيح عليه السلام في القدس خلف الإمام عجل الله فرجه: "ويدخل المهدي عجل الله فرجه بيت المقدس، ويصلي بالناس إماماً، فإذا كان يوم الجمعة، وقد أقيمت الصلاة، نزل عيسى بن مريم عليها السلام بثوبين مشرقين حمر، كأنما يقطر من رأسه الدهن، رجل الشعر، صبيح الوجه، أشبه خلق الله عزَّ وجل بأبيكم إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، فيلتفت المهدي عجل الله فرجه فينظر عيسى عليه السلام، فيقول لعيسى: يا بن البتول، صلِّ بالناس. فيقول: لك أقيمت الصلاة، فيتقدم المهدي، فيصلي بالناس، ويصلي عيسى خلفه، ويبايعه"(2).
إنه وعد اللَّه تعالى في أن يعم العدل العالم، وتنعم البشرية برسالة الإسلام الحقَّة، وببركات وقيادة صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. إنَّها اللحظة التي ينتظرها المؤمنون حيث تسقط فيها طواغيت الأرض وفراعنتها، وينهزم الكفر وأعوانه، ليعلو صوت الاستقامة والإنسانية والفلاح. إنها مرحلة الحسم للمعركة الطويلة منذ خلق آدم عليه السلام، بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الإيمان والكفر، حيث كانت لكل منها جولات عبر التاريخ، لكن جولات الباطل أطول وأقسى، فتحلُّ الجولة الأخيرة محل كل الآلام والمرارات، وتعلو كلمة الله على ما عداها: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 40). كل مؤمن ينتظر هذا الانتصار العظيم، وهذه الوحدة الرائعة بين ركني الرسالات السماوية المهدي عجل الله فرجه والمسيح عليه السلام، وهو ينظر إلى تطورات العالم اليوم تتجه إلى المزيد من الظلم والكفر من جهة، وإلى إشراقات الإيمان والحق التي تبرز من خلال الإسلام المحمدي الأصيل على درب الولاية من جهة أخرى، فإذا اتجهت الأمور نحو الإيمان العالمي، لا يقف شيء أمام سنة الله على الأرض، وحينها ما أجمل ذلك المشهد حيث يعم الإيمان الأرض. عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾، قال: إن عيسى عليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل ملّة، يهودي ولا غيره، إلاَّ آمن به قبل موته، ويصلي (عيسى) خلف المهدي عجل الله فرجه"(3)، يحصل هذا بعد هزيمة بني إسرائيل. بعد أن يؤدي السيد المسيح عليه السلام مهمته، يموت في هذه الدنيا، وهو الذي رفعه الله إليه قبل ذلك وادَّخره لهذه المرحلة العظيمة، "ثم يموت عيسى، ويبقى المنتظر المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله، فيسير في الدنيا وسيفه على عاتقه"(4) كما عن رسول الله، ليملأها قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، فهنيئاً لمن أعدَّ نفسه والتحق به ليفوز فوزاً عظيماً.
(1) الشيخ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ج2، ص174.
(2) الشيخ الكوراني، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، ج3، ص122.
(3) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج9، ص 195.
(4) الشيخ الكوراني، المعجم، ج3، ص121.