عبد الحليم حمود
* الباب العربي الإسلامي في فرنسا
الباب هو المدخل، مدخل يبهر طارقه أو المنتظر أمامه، مثيراً في نفسه التساؤلات والفضول لما وراءه، وهذا المدخل هو أجمل ما يمكن أن تُعرَف به حضارة أو يقدَّم به فن. من راجستان إلى بغداد ومن دمشق إلى المغرب، كان الباب الإسلامي دائماً قطعة فريدة لأنها غير متكررة. والمشاهد الغربي المتذوق للفن الإسلامي والعربي، ما يزال يندهش بتنوعه وترفه وغناه في ميادين مختلفة. الباب الإسلامي، هذه التحفة الفنية الرائعة في الحفر والأناقة والتزيين، والرمز الجمالي والحضاري الراقي الذي أبدعته يد الحرَفي المسلم منذ قرون كان موضع اهتمام السيدة بريان التي ارتأت بافتتاحها غاليري متخصصاً في الأبواب الإسلامية أن تقترحه على الجمهور الغربي ليجعل منه باباً لسكنه أو ليزين به أي زاوية داخل البيت. عن اهتمامها بالباب الإسلامي الشرقي تقول السيدة بريان: "جاءت الفكرة من خلال تجربتي الشخصية في العمل في مجال السكن، حيث كنت أقوم بدراسة حول حاجات السكن. وعندما سنحت لي فرصة العيش في بيروت كانت دهشتي كبيرة لاكتشاف مدينة العالم العربي الإسلامي، كما وجدت في قصور سورية والعديد من مدن الشرق الأوسط واحدة من أجمل القطع في العمارة هي الباب... إن الباب الإسلامي يمكن أن يضفي لمسة مهمة على العمارة الأوروبية وجمالية يفتقدها السكن الغربي". للباب في شرقنا العربي والإسلامي أشكال عدة وخصوصيات حسب ثقافة كل بلد، فالباب المغربي يتميز بقياسات خاصة لا تشبه القياسات المتعارفة وهناك الباب السوري والعثماني والمصري والهندي وكل منها له مكان في غاليري بريان في فرنسا. ربما هذا هو قدر تراثنا أن يلقى الاهتمام من الآخر فيما نحن في سبات!
* الكاريكاتير العربي في قمقم الانحطاط
ولد الكاريكاتور العربي من رحم الصحافة، حمل ملامحها وعاداتها ووطأتها عليه وتقاسم معها شجونها. فليس هناك تقاليد كاريكاتورية خارج حدود الصحافة. الكاريكاتور في أزمة، لكنها ليست أزمة الكاريكاتور فقط، إنما لحقت به بعد أن غطت كل مجالات الإبداع العربي. قد نصادف بعض التجارب المهمة على هذا الصعيد أو ذاك إلا أنها تجارب فردية لا يحق "للإبداع العربي" ادعاء أبوتها. إنها كما يقال تغريد خارج سرب الانحطاط. ومثل هذه الحالة الخاصة لا تتهيأ للكاريكاتور الذي ارتبط مصيره بالصحافة، ولم تتوفر له الضمانات الاجتماعية التي تحميه من عسف السياسي الذي يسعى لاغتياله إما بتفريغه من جوهره أو بضمه إلى صفوفه أو بتصفيته. انكفأ الكاريكاتور العربي لأنه لم يجد التقاليد الاجتماعية التي تحميه، ولأن السياسي لم يقتنع بأن الكاريكاتور مثل ضوء القمر ينشر ضوءه على أرض اللَّه الواسعة، ولكنه لا يضيء دهاليز السياسة إلا ليفضحها.
* التصوير الفوتوغرافي والرسم لقاء بعد جفاء
"مات فن الرسم اعتباراً من اليوم" كلمة قالتها الليدي إيستلاك في لندن في العام 1850 بعد صدور أول صحيفة للتصوير الفوتوغرافي وبداية التصوير الملون الذي كان أدموند بيكريل قد بدأ تجريبه عام 1848. مقالة إيستلاك هذه ليست نهائية، بل هي إشارة واضحة إلى عمق المنافسة القادمة وقتها بين التصوير الفوتوغرافي الملون وفن الرسم. إن أول ما استعاره التصوير الفوتوغرافي من فن الرسم هو الغرفة المظلمة، أو الصندوق المظلم، وكان صندوقاً خشبياً مظلماً به ثقب واحد يستخدمه الرسامون مساعداً في عمليات الرسم. وكان الرسامون الإيطاليون أول من استخدمه. هذا الصندوق تطور لاحقاً بتركيب عدسة موضحة مكان الثقب عام 1550 بذكاء من جيام باتيستا وهو أول مقدمات اختراع الكاميرا التي لم تختلف كثيراً عن ذلك الصندوق في أول عهدها. وما لبث التصوير الفوتواغرافي بعد أن استقر قليلاً، وتخلص من عقباته الكبيرة وخصوصاً عقبة الزمن أن استعار التلوين بالفرشاة من فن الرسم واستعار حتى الإطار، وأشكال عرض الموضوع في الإطار. وبعد بضعة أشهر انتشرت عبارات مخيفة مفادها بدء انتهاء فن الرسم، وصار التصوير الفوتوغرافي قادراً على إنتاج صور كأنها لوحات فنية. لكن الزمن عقلن هذا الرُهاب وضبط الهواجس المرعبة، حيث وضع الأمور في إطارها. فالرسم بقي وتطور ضمن فلسفته ومفاهيمه، والتصوير كذلك، لا بل الشكلان يلتقيان عند عدة تقاطعات ومنها فن الإلصاق.