مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة قصيرة: والقافلة تسير

حسن زعرور

 



أغلق أبو مروان المذياع متبرماً، تمشى في صحن الدار وأصابع يديه المتشابكة تطقطق من التوتر، حاول الجلوس على كرسي الخيزران العتيق قرب الفستقية الباهتة، غير أن ناره المتأججة لم تترك له مستقراً. عاد إلى المذياع من جديد، أدار إبرته على محطة ال بي بي سي من لندن، تناهى إليه صوت المذيع الجامد النبرات، رغم سخونة ما يذيعه من أنباء ينطقها بعربية سليمة، كأنما يقرأ درس إنشاء، لم يكن هناك من جديد على ما سبق له سماعه فتأفف متبرماً، ونقل الإبرة إلى محطة مونتي كارلو علّه يجد لديها شيئاً.

ها هنا مذيع متحمس كأنما هو في مباراة كرة قدم، إستمع إليه أبو مروان بشرود، كان عقله هناك في جنين، والأنباء المتواترة منذ الصباح أقلقت باله على عائلته والرفاق، عاد يلجّ على الإبرة يديرها يميناً ويساراً محاولاً إرواء غليله ومعرفة ما يجري وفطن إلى أنه لم يستمع لأي إذاعة عربية. "منشغلون باستقبالات الرؤساء وأصحاب السمو" قال لنفسه، وأخيراً استقرت الإبرة على إذاعة النور، كان مصطفى الصواف يعلق على الحدث من غزة في دفق متسارع كأنه يركض وراء الخبر يلهث خلفه لهثاً، وراح أبو مروان معه يسترجع صورة الأحياء التي خبرها طويلاً منذ طفولته في جنين القديمة وزواريبها الضيقة، وسعيد وصالح وأحمد ووليد هناك وأسلحتهم الخفيفة، أحس بقهر عابر، لو كان لدينا سلاح لأريناهم سوءة الدخول إلى جنين. و"لو" هي الوحيدة التي تمتلكها اليد الآن، "بشق النفس حصلنا على بضعة كلاشينات وبضعة طلقات لها"، صعوبة الحصول عليها لا يوازيها غير صعوبة إخفائها عن الأعين، واليوم قد يبتسم له الحظ ويحظى بقاذف ب7 وعدة رماناتٍ له، "سوف أعود بها إلى جنين مهما كلفني الأمر" قال لنفسه، وعاد إلى المذياع علّه وعلّ.

وأخيراً حلَّ المساء، وأتت البضاعة، "الحمد للَّه"، قال أبو مروان مكرراً لف القاذف بطرف عباءة خصصت لذلك والقذائف في الطرف الثاني وألقاها على كتفه وراح يغذ السير إلى هناك، يحدوه دفق جياش يلهب سيره، ورغم عجالته تلك حاذر أن يبدر صوت مخافة الأرصاد، كان يدرك مدى صعوبة العودة إلى جنين بحمله، فالعدو زنرها بقواته وأقام له مكامن على مفارق الطرق والمرتفعات المطلة، ولم يخشَ على نفسه وقوعه في الأسر، ولكنه خاف على ما يحمله أن لا يصل به فالحاجة ماسة إليه. أعانه هدوء الليل وبرودته، راح يفكر في ما عليه فعله، لو حصل معه ما لم يحتسب، ثم نحاه الحنين نحو أولاده الثلاثة عيشة وريَّان ومحمود متسائلاً عن أحوالهم، أيام مرت لم يرهم فيها، وقد يطول بعاده عنهم ويطول، "تلك ضريبة فلسطين لا بد من دفعها" قال لنفسه، ثم كرر "لهم اللَّه" مثنى وثلاث. أكمل سيره يغذ خطاه وقد تناهت إلى سمعه أصوات طلقات المدفعية بوضوح، ازداد الدوي مع اقترابه فحنى ظهره حتى كاد يدب على الأرض دبيباً بحمله ذاك وأشرف على جنين من عل، كانت تشتعل ووميض القصف على جهاتها الأربع يكشف له لهنيهات أماكن يعرفها وما عتم أن وجد ثغرة إنسل منها إلى الداخل رغم الطوق المضروب، هناك، كان مقر قيادته قد أبيد من قصف الطائرات، وجثث رفاقه متناثرة فوق الحطام وتحته، وعلى مبعدة، وقد نخرها الرصاص والشظايا، ولاحت لعينيه خيالات الجنود الإسرائيليين على بعد عشرات الياردات منه وقد اخترقوا الجهة الشمالية من المخيم فانتقى أبو مروان لنفسه مكاناً ولقم القاذف. ساعات مرت لم يستطع جنود العدو الدخول إلى موقع ما كان مقراً، وعادت الطائرات لقصفه من جديد بقسوة وسوته بالأرض، من يومها، لم يعد أبو مروان إلى أولاده، ويقولون أنه التحق بالقافلة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع