مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله : تطبيق روايات الظهور على الواقع

الشيخ نعيم قاسم

 



الحديث عن الظهور حديثٌ عن الصفات والظروف والعلامات القريبة والبعيدة، المباشرة وغير المباشرة، ، ما يُبقي الموضوع في دائرة العموميات ولا يصل إلى التحديد التفصيلي الدقيق، بل حتى عندما نستشعر من الروايات تفصيلاً ما فإنَّه يبقى في دائرة الاحتمالات ولا يرقى إلى القطع والجزم. هذا المنهج يحيط بكل مسألة الظهور، ما يؤكد بأن الهدف هو الإيمان به واليقين بحصوله، وانتظار الظهور، من دون التوقف عند التفاصيل والجزئيات.

إذا لاحظنا روايات الظهور نجدها تتحدث عن عناوين عامة صالحة للانطباق على عدة أزمنة، فعن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر عليه السلام:"لا يقوم القائم عجل الله فرجه إلاَّ على خوفٍ شديد من الناس، زلازل وفتن وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس، وتشتت في دينهم، وتغير في حالهم، حتى يتمنى الموت صباحاً ومساءً من عظم ما يرى من كَلَب الناس وأكل بعضهم بعضاً، فخروجه إذا خرج، عند اليأس من أن يروا فرجاً، فيا طوبى لمن أدركَه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن ناواه وخالفه، وخالف أمره، وكان من أعدائه"(1). فما نستنتجه من الرواية، حدوث البلاء الكبير والصعوبات الكثيرة التي تؤدي إلى الخوف الشديد عند الناس، وهذه الظروف هي التي تواكب التمهيد للإمام المهدي عجل الله فرجه ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فالمطلوب منا أن نزداد أملاً بالظهور كلما اشتد الفساد لا أن نعيش اليأس والإحباط، وهذه نقطة إيجابية في مسار الإيمان والطاعة والعمل للإسلام، وهي الهدف الذي يتحقق من الرواية من دون الغرق في التفاصيل والتطبيقات الخاطئة أو المتسرعة.

وعن أبي جعفر عليه السلام: "كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك، وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوه، فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلاَّ إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك، لاستبقيت نفسي لصاحب الأمر"(2). تتحدث الرواية عن راية الخرساني التي تخرج من المشرق، وهي راية هدى، تقاتل الأعداء ويستشهد تحت لوائها عدد من أنصارها لنصرة الحق، وهي صامدة ثابتة إلى حين الالتحاق بالإمام عجل الله فرجه، وتسليم الراية إليه والالتزام بأوامره. فهل ينطبق اسم حامل الراية على هذا الشخص أو ذاك؟ هذا ما لا نستطيع الجزم به. يمكننا أن نتمنى أو أن نتأمل بشخص معين عندما نرى المواصفات تنطبق عليه بنسبة كبيرة، لكن لا يمكننا الجزم والقطع، إلاَّ أن الارتياح لوجود راية من المشرق تساند الحق، والاستئناس بدولة الإسلام في إيران كراية هدى أمرٌ حسن وجيد، سواء أكان الظرف الحالي قريب من الظهور أو لم يكن كذلك، إذ من الطبيعي والواجب أن نكون مع راية الإسلام التي تظهر ويجب علينا مساندتها وتأييدها، وهي حتماً خطوة على طريق الظهور من دون الجزم إذا كانت قريبة أو بعيدة، فالتوقيت مجهول بالنسبة إلينا، لكن الوقوف مع دولة الحق وراية الحق واجب في كل زمان، وازدياد الأمل بقرب الظهور أمر مشروع، وهذا هو المطلوب. وعن أبي جعفر عليه السلام أيضاً:"خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، وهي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم"(3).

 السفياني يظهر في بلاد الشام وهو راية ضلال، والخرساني في المشرق وهو راية هدى، واليماني من اليمن وهو راية هدى، لكن لا حاجة للتَّتبع لحظة بلحظة، فهذه من العلامات القريبة التي تظهر متسارعة ومتقاربة في الزمن، بحيث لا يفصل بينها وقت كبير، وان كانت روايات الخراساني قد تحدثت عن سبق لرايته، إلاَّ أن مطابقتها مع اليماني والسفياني تتحقق مع ظهورهما. فالمطلوب أن نطمئن بوجود عدد من رايات الهدى التي تتفاضل فيما بينها بتفاصيل لا نعلمها بدقة، وقد تكون إحداها أهدى بلحاظ محيطها أو بلحاظ الرايات الأخرى، فهذا ما يحتاج إلى تدقيق، لكن مهما كانت صورة خطورة راية السفياني والفساد المستشري في العالم، فإن مقومات الهدى ستكون موجودة أيضاً، إذ يبايع الإمام ثلاثمائة وثلاثة عشر قائداً بعدد أهل بدر من أقطار الأرض، فعن أبي جعفر عليه السلام:"يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم"(4). لم تذكر روايات الظهور الصفات العامة إلاَّ لنبقى في دائرتها، ولو أرادت تحديد الجزئيات لأمكن ذلك، لأنها روايات عن المعصومين الذين يختزنون العلم والمعرفة الدقيقة في هذا الشأن. لكنَّ الهدف هو الإيمان بالظهور، والعلامات الإجمالية، واتباع رايات الهدى، ومواجهة رايات الضلال، وعدم اليأس مهما بلغت الصعوبات، ووجود الأمل الأكيد بالنصر للمؤمنين، والارتباط بقيادة إمام الزمان عجل الله فرجه، والعمل الدؤوب لإقامة الدين والعدل، وحمل لواء الجهاد في سبيل الله... وليس التعلق بالتفاصيل والجزئيات التي إذا تبين خطأ تطبيقها قد يُصاب البعض بالإحباط والمرارة، فهذا لا يؤثر على حقيقة الروايات وواقعيتها. فإذا ارتبطنا بالصفات من دون تحديد، وبالعلامات من دون جزم بمطابقتها للواقع، فإذا الأهداف تتحقق بفعالية، ولا يكون أي تطبيق إلاَّ استئناس غير ملزم إلى حين تحققه الفعلي،فنحافظ بذلك على ما هدفت إليه روايات الانتظار بالأمل والعمل.


 (1) الغيبة للشيخ النعماني، ص254 و255.
(2) المصدر نفسه، ص 273.
(3) المصدر نفسه، ص255 و256.
(4) الغيبة، للشيخ الطوسي، ص 477.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع