السيد علي عباس الموسوي
عندما يقرأ الإنسان تاريخ الإسلام وتاريخ الدعوة النبويّة، يرى مدى المواجهة التي خاضها نبي الإسلام منذ البدايات، حتّى بلغ ما ناله من الأذى الغاية القصوى، فلم يؤذَ نبي من الأنبياء كما أوذي صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد واجهت الدعوة النبويّة رفضاً قاطعاً من قبل كبار قريش آنذاك. ولم تكن منطلقات هذا الرفض في واقع الأمر إيماناً ببطلان الدعوة أو عدم حقانية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل كان ذلك عناداً واستكباراً، وذلك لما وجدوه من تهديدٍ مباشر لزعامتهم وسيادتهم على الناس. إنّها مشكلةُ مَنِ اعتاد على أن يكون مطاعاً بين الناس، وهو المنطق الفرعوني الذي ينادي بمقولة: ما علمت لكم من إلهٍ غيري، فوجد هؤلاء أنّ الدعوة الإسلامية تسلبهم هذه الخصوصية، فاختاروا مواجهتها.
وتوسلت قريش بكلّ وسائلها من ترغيب وترهيب... كل ذلك لأجل أن تجعل من هذا النبي طوع إرادتها، يمتثل لأوامرها، ولا يذهب لتأليب الناس عليها.
ولم يكتفِ كفَّار قريش بخروج النبي إلى المدينة، بل ذهبوا لحربه وقتاله هناك، وكل ذلك في سبيل أن يكون هو وأتباعه تحت طاعتها.
واجتمعت الأحزاب وتكاتفت للمواجهة ولم تترك باب أذى للنبي إلا وطرقته ولا وسيلة إلا واستخدمتها، ولكن لم تثمر ولم تفلح كل تلك الجهود.
وهكذا حال الإسلام اليوم، الإسلام المحمدي الأصيل، يواجه في كل يوم أذىً جديداً، تجتمع عليه الأحزاب، تستخدم شتى الوسائل وشتى الأساليب، ولا همَّ لها سوى أن تجعله تحت طاعتها، أن يكون خاضعاً ليسير الكون حسبما تريد وكيفما تشاء.
وكما واجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعداءه بالرفض والعصيان التام لهم ولمتطلباتهم، كذلك حال إسلامنا المحمدي اليوم يقف بكل صلابة في مواجهة أعدائه بالرفض والعصيان.
وتجتمع الأحزاب من جديد وتتآمر ولكنها لا تجد إلا رفضاً وعصياناً.
ولو عدنا إلى ما أوصى به القرآن الكريم في مواجهة أعداء الإسلام نجد ثلاثية مهمة:
1 - لا طاعة؛ رفض جازم ونهائي، لا يمكن لفئة من المسلمين أن تدخل في طاعة أهل الكفر، مهما فعلوا، وبأي أسلوب جاؤوا، لأن من يخلص الطاعة لله عزَّ وجلّ مقراً له بالعبودية لا يمكن أن يكون تابعاً ومطيعاً لغيره، فالمنطق القرآني لهؤلاء يلتزم بمقولة: ما علمنا من إله إلا الله عز وجل.
2 - لا انفعال؛ فليس المعتمد في المواجهة عنصر الانفعال، فمقابل الأذى الذي يمارسه هؤلاء، لا بد من المواجهة بدقة، وأن لا ينجرف الإنسان إلى حيث يريد هؤلاء، فالأذى الذي يمارسه هؤلاء يبغون منه أن يخرج المسلمون عن طبيعتهم فيكون ذلك مبرراً لمزيد من الأذى.
3 - التوكل على الله، وهو من أهم العناصر في المواجهة، فعلى الإنسان أن يعلم أن الله ناصره، وأن من كان الله ناصره فكفى به ناصراً له. وهذه الثلاثية هي ما نطقت بها الآية الكريمة:
﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ (الأحزاب،48).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.