آية الله العظمى السيد علي الخامنئي
* حول الولاية
يطرح حول أصل الولاية- مع تلك السعة والجامعية التي أعطيت لهذا الأصل في القرآن- مسائل كثيرة يمكن أن يكون كل واحد منها أصلاً لمعرفة التوجهات الإسلامية. وفي الآيات التالية نستطيع أن نتعرف على بعضها من خلال التدبر والتدقيق:
1- إن "ولي" المجتمع الإسلامي- أي تلك السلطة التي تقود جميع النشاطات والفعاليات الفكرية والعملية وتديرها- هو الله تعالى وكل من ينصبه الله بالاسم أو الصفة في هذا المنصب: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾. (المائدة/60)
﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أن الله نعما بعضكم به أن الله كان سميعاً بصيراً يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً﴾. (النساء/80)
﴿ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً﴾. (النساء/59- 60)
2- إن ولاية الله وقبولها من جانب المؤمنين ناشئين من فلسفة وعقيدة فكرية ورؤية كونية إسلامية، ولهذا فهي أمر طبيعي:
﴿وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم قل أغير الله اتخذ ولياً فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين﴾. (الأنعام/13، 14)
3- إن كل ولاية غير ولاية الله وخلفائه هي ولاية الشيطان والطاغوت، والقبول بولاية الشيطان يؤدي إلى تسلطه على جميع القوى البنَّاءة والخلاَّقة التي أودعت في أعماق الإنسان، ليجعلها تصب في قناة الهوى والطغيان. فالطاغوت لا يؤمن إلا بمصالحه الخاصة ولا يعطي اعتباراً لا حد سواه، ولا يرى مصالح المجتمع إلا قناة تصب في مصالحه الشخصية. وفي الأساس، لا يعتني بحاجات الإنسان وإمكاناته في الطبيعة، ولهذا فإن قيادته للمجتمع تكون منشأ الضلال والخسارة وضياع الكثير من الطاقات العظيمة. وعلى أثر هذا الجهل والإهمال الذي يحصل في المجتمع والعالم الذي يرزح تحت ولاية الطاغوت، تحرم البشرية من نور المعرفة والإنسانية، وسطوع نور دين الله في الحياة، وتبقى أسيرة ظلمات الجهل والهوى والشهوة والغرور والطغيان.
﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}. (النحل/ 100- 103)
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيراً إن الله لا يغر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً إن يدعون من دونه إلا أناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً لأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً يعدهم ويمنيهم وما بعدهم الشيطان إلا غروراً﴾. (النساء/ 115- 120)
﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النور هم فيها خالدون﴾. (البقرة/259)
4- إن ولاية الطاغوت والشيطان في النظام الجاهلي والطاغوتي تجعل المؤمن مرتبطاً بآلاف الروابط بالقدرة الطاغوتية، وتحاصره بطريقة خفية بالنظام الجاهلي، تسلبه الحرية، وتجره بدون إرادة إلى المصير الذي ينتظر ذلك النظام، وتمنعه من استغلال طاقاته في سبيل الله وفي الطريق الذي رسمه الدين والمنهج الإسلامي.
إن هذه الحقيقة التي لا انتقاض لها ولا استثناء، تطرح قضية الهجرة. الهجرة التي تعني الانعتاق من قيود وأغلال النظام الجاهلي والوصول إلى البيئة الإسلامية الحرة، حيث كل العوامل والدوافع الإنسانية تقربه إلى الهدف الذي يريده الله، وتكون مسيرة المجتمع الطبيعية نحو التعالي والتكامل الفكري والروحي والمادي. هناك حيث تفتح كل سبل الخير والصلاح، وتغلق أبواب الشر والسوء... أي في المجتمع الإسلامي.
ولهذا، فبناءً على أصل "الولاية" تكون الهجرة تعبيراً عن الالتزام المباشر والضروري عند المؤمن. الالتزام بالانتقال من المحيط الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي والدخول في ساحة ولاية الله.
إن التدقيق والتأمل في آيات "الهجرة" في القرآن، يوضح أموراً عديدة في هذا المجال، فلنستمع إلى هذه الآيات الملهمة:
﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا* إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا *سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ۖ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.