ايفا علوية ناصر الدين
ليلة الواحد والثلاثين من كانون الأول، الليلة الأخيرة في السنة، هي ليلة استثنائية ومميزة، يعرف البعض قيمتها ويدركون حقيقتها جيداً فتراهم يحضّرون أنفسهم لها على أكمل وجه. قبل ساعات على وداعها، يجلسون على موائد أفكارهم، ويحملون في أيديهم ورقة وقلماً ويبدأون بالحساب: اثنتا عشر شهراً، ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، ثمانية آلاف وسبعمائة وستون ساعة، سنة كاملة مرّت من عمرنا، ورقة خضراء تساقطت من شجرة حياتنا، صفحة جديدة تلاشت من دفاتر أيامنا.
ثم ينتفضون واقفين أمام مرآة أنفسهم ليسألوا بحرقة: كيف أمضينا هذه السنة؟ ماذا جنينا فيها من ثمرات؟ وماذا حصدنا فيها من خيرات؟ ماذا فعلنا لاستثمارها بما يغنينا؟ وهل تزودنا فيها بما يعيننا؟ بماذا أضعناها؟ لماذا فرَّطنا بأوقاتها؟. وتعود بهم ذاكرتهم إلى التفاصيل: في هذه الأمور أخطأنا وفي تلك أصبنا، ومن بعض المواقف يعتبرون: هنا ضحكنا وهناك بكينا، مرضنا وشفينا، مشينا ووقفنا، نجحنا وفشلنا، فرحنا وتألمنا، كدنا نهلك فنجونا... ثم يسافرون بخيالهم إلى أفق المستقبل: ماذا تخبئ لنا السنة القادمة؟ وأي مصير ينتظرنا فيها؟ وهل نبقى على قيد الحياة إلى مثل هذه الليلة؟ ويأتي الجواب سريعاً من عمق إحساسهم: لا أمل لنا إلا بالتسليم لحكمة اللَّه وقضائه، ولا نجاة لنا إلا بالعودة إلى اللَّه والوقوف على باب مناجاته، ولا حياة لنا إلا في الدار الأبقى... فيبادرون للوضوء بماء التوبة ويغمرون قلوبهم بالصفاء، ويخطُّون على صفحاتها كلمات شكر للباري على هذه الليلة التي جعلها لهم أيضاً فرصة للاستئناس بذكره ومرضاته.