* هي عندي رقيّ(*)!
بالدجى متسربلين
ماضين إلى الرمس
هاربين، مجفلين
من غول اسمه حزبية
من إعصار يبتلع براعم
حرية
يرتشف شباباً، ينضح ثأراً
ينضح نوراً، يحمل بيده
بذر الأرض العذراء المنسية
على كاهلكم قد طبع أثلاماً
حبل مشدود إلى ذاكرة الوطن
المفجوعة
وتتوسد سكرى بالرجعية
أحلاماً ترسمها أيدٍ
بالعسجد، بحياةٍ ترقي عن ذل العربية
بوعود صهيونية
عنصرية
ما كنت يا سادتي يوماً
رأساً تحصده مناجل الانتماء
أو عنقاً يقدم على طبقٍ
لزعيم كالقمر له جاذبية!
أنا أسعى، في وطني الوليد
إلى كمالي، أشد ركب الشعب الغافي
أتنسم عبق النور بإيمان كالبيدر
كمواسم القمح والزيتون
أتسامى بدعاء وصفاء وخلوص
وأطلق أشرعتي للريح القدسية
تدفعني، تنفض عجزي وصغاري
تجمعني بعائلة بأواصر أخوية
بتسليم وعبودية
للواحد الحق باري البرية
سموها ما شئتم
حزبية؟!
هي عندي رقيّ لكمال البشرية
أكاد ألتمس استنكاركم
أرى الاستهجان يشكل وجوهكم
وقد أستمع إلى أنفسكم تحدثكم
بأن قد صعقني التيار
أعاد صياغتي، ... حلقة في سلسلة
تخنق صوت الحق وتلهج باسم الحزبية
تستنكرون، تتباحثون، وتصدرون
أحكاماً عرفية
المعادلة بسيطة، حدَّ الأمثال الشعبية
ولبساطتها، تشبكون الأخطاء قواعد
وهمية
المبدأ يتسامى
نتعاون لنهضة إسلامية
والاخر
إما أخ في الدين أو في الإنسانية
(*) جواب على من اعتبر حزبيتي خسارة
إيلاف عبد الودود الأمين
****
يا صاحب الأمر
مختال أسبح في جمع من الشّهب سكرت في المهد لا من خمرة العنب
تغفو على حلمك الأطياف لاهفةً تبوح جذلى بسرّ القلب والعصب
ما أبحرت سفن الأشعار في فكري إلاّ والهامك الرّبّان في أدبي
لو أنّ عمراً من العلياء أعصره لأمزج الحرف بالّلألاء والذّهب
لأخفَق الشّعر وارتجّت قواعده حتّى وإن زجّ الافاً من الكتب
وانصاع يشكو إلى أوراقه خجلاً من الوليّ الذي كفّاه كالسحب
بقيّة اللَّه يا ربّان أمّتنا أنت المعزّ لهذا الدّين عن كثب
تلوح ذكراك شمساً في فضائلها شاب الشّباب بها عزاً ولم تشب
أقمت فوق قباب المجد مملكةً دار الأمان بعدلٍ صارمٍ رحب
فشبّهوك بنجمٍ حسبهم رفعوا فيك الإباء وقد ظلّوا بلا سبب
شمّ النّجوم تنير اليوم ديجوراً إذا ضياك رماها رامق الهدب
إذا الكواكب كانت منك زينتها مليكة الفلك قد أمست على عتب
لو حالكات الدّجى لاقت شموسكم لأدبر الشّرك فيما أنت لم تغب
ويعتلي الفجر في أرقى مكانته ليستعزّ بما يدنوك من رتب
ناجت بمحرابك الدنيا وما فتئت معاقل الصّحب تستدعيك في النّوب
ولا سواك لنا للأجيال قاطبةً لأنك الحلم للإسلام حلم نبي
علوت بالرّتبة المثلى ومعقلها حميت أعرافها في أصعب الحقب
وصاحب الأمر كما الأطواد منتصب خفق الضّياء وفي أعماق كل أبي
يا صاحب الأمر ما علّمتني يوماً أن أشهد القول زوراً لو على الخشب
علّمتني كيف أسمو من شواهقها فيجزع الحتف في الهيجاء من غضبي
أنا الجنوب رفعت الثّأر في علمي نثرت روحي فوق السفح والهضب
هذي دياري أقامت فرحة النّصر جيش الشّتات لقى ما لوعة الكرب
طيف الإمام أنار السّاح في بلدي حتى أعاد حنين الدّفء للترب
قَطعت أيدي عتاة الأرض في دهرٍ ملاّكه أصبحوا فأساً على حطب
ومقعد الحكم زيف في تجلّيه روّاده أدركوا الأخشاب في اللهب
يا صاحب الأمر أيّد حامل الحجر في راحه أنجم غطّت على الشّهب
سمراء جمّلها نفح من الخلد والنّار قد أضرمتها طفلة العرب
يعدو بمحراثه في قلبه لَهَف يذود عن أرضه الفلاّح بالقصب
شعّت مقاومة دحراً لطاغيةٍ درساً تلقّنه في حرب مغتصب
ردّت إذ استفهمت والصّدق منطقها عزم الولاء معي في القدس والنّقب
إسلامنا الكهف لا نرضى بديلاً له كل الهتافات أصداء لدى العلب
يا أيّها الحائر المحكوم في زمنٍ ما عاد يؤوي سوى الأبطال والنخب
إن كنت ترنو نجاةً من صواعقهِ هيّا إلى ثورة المهدي فانتسبِ
صادق محمد حمدون
*****
قبل أن ينتهي العمر
عن الإمام علي عليه السلام: "من حاسب نفسه ربح ومن غفا عنها خسر". كيف أحاسب نفسي؟ سؤال يجب أن يسأله كل واحد منا لنفسه قبل أن يقف في يوم الحساب يملؤه الخوف والرهبة والحياء من عظمة اللَّه وقدرته، لذلك يجب أن نسبق الأيام قبل أن تسبقنا لأن اليوم الذي يذهب لن يعود أبداً بل تنقطع فيه الأعمال التي قمنا بها خلاله من خير أو شر. وينبغي علينا أن نستفيد من هذا الوقت الذي نهدره بأشياء رخيصة ونبادلها بأشياء لا تباع إلاّ للخالق الرحمن (عزَّ وجلَّ). فهنا يجب أن يسأل كل فرد منا نفسه يومياً قبل النوم أي قبل أن ينتهي يومه، ماذا فعلت اليوم؟ أذكرت اللَّه وحمدته؟ أكففت عن غيبة مؤمن؟ هل أعنت مسلماً؟ ماذا صنعت اليوم؟ تُرى ما هو موقفي وجوابي عندما أقف بين يدي خالقي القدير؟ أأهرب من الإجابة كما أفعل في الدنيا إذا كان السؤال يزعجني وهل أنسى أني سأرجع إلى الدنيا في يوم القيامة وما سيكون مصيري عندما يمر. ستربط ذكرياتي وأعمالي أمامي وأرى ما فعلته في خلواتي وما مضى وقد كنت نسيته، وكما جاء في الحديث "يحشر الناس على صورة تحسن عندها القردة والخنازير" ويجد أيضاً أعماله القبيحة ماثلة أمامه كما جاء في القران الكريم: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾(آل عمران/30) و﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ ﴿يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾(القيامة).
محمد الأتات
*****
نور من نور..
صعدت الباص وعجزي يسبقني، والوجل يحرسني، لا لأنه الموقف الأول لي، إذ كثر أن كُلفتُ أو حتى تصدّيت، لكن نور الشهيد الساطع يُفحم عينيّ عن الجرأة ويخجلها وفي محضره ما عساي أقول؟ وأنا أؤدّي تكليفي وقد حلّ الشهداء عقدةً من لساني، نادتني من بين العيون نديّتان، سمع صمتهما قلبي، فرحت أوزّع نظراتي تأدّباً وتعود إليها شغفاً.. تلك كانت عيني "نور" ابنة الشهيد.. أثناء الرحلة أخبرتني مرشدتها أنها حافظة لأجزاء من القران ولا تزال.. ومع كلّ نظرة إليها كان قلبي ينبض حبّاً وتقديراً لتمايزها بين مثيلاتها.. جلنا بقاع الجنوب التي تقدّست بقداسة أقدام المجاهدين، حمّلنا هدايانا مندوباتٍ للنسيم ووريقات السنديان الراحلة.. ناجينا كل صخرة، وشوشنا كلّ زهرة، غمرنا عبيق الرفيع وحننّا للحنين... عند اخر محطة، حملتُ سبّحة كربلائية، خرجتْ قبيل النار في العراق بأيام معدودة لتصلني من حيث لا أحتسب. ودّعت حبّاتها، وأخرجتها من قلبي هذه المرة وقد أوقدته نار الشوق من جديد.. أودعتها راحة كفّ "نور" فضمّتها بحنان طمأنني... حبيبتي في أمان... تغيّرت وجهة السير إلى بيروت وتغيّر الحديث لوجهة التعارف وعرفت الفتيات اسم قريتي فهمست إحداهن بحياء مشيرة إلى جارتها: "هي من قريتك"... وصغرتُ أمام ابنة "إسماعيل"(1)، تخبرني عن شهيد قريتي... هربت لحظات الوداع... للبعد حنان لا جفاء، فلا زلت في محضر الشهداء محاطة ببناتهم.. ووجود نور في كياني.. حتى نبّهني صوت السائق كصافرة الرحيل: "من ينزل هنا؟"... فنزلت غافلة عن حناجر الفتيات وكلمات المرشدات تودّعني، فقلبي مشدود إلى شبّاكها وخطواتي تعاني طول الطريق، يرافقني شوق ورهبة... أبحث عن "نور". وصلت إليها ووصلت معي، تسابقت أيدينا للتصافح وسبقتها قلوبنا للعناق، والأسرع كانت شفتاي تختم على يدها، قبلة الشهيد "عباس الوزواز"(2) على أقدام وأيدي إخوته المجاهدين.. لتبقى "نور" رفيقة ليلي، وأيّامي القابلة..
زهراء عبد الحليم
(1) الشهيد إسماعيل إسماعيل، والد نور.
(2) الشهيد المجاهد، عباس الوزواز، معروف بتقديسه للمجاهدين، وكان يوقظهم للصلاة أو العمل بتقبيل أقدامهم ثم أيديهم.
*****
جسر العبور
مهداة إلى والدة الشهيد القائد الحاج "مهدي حسين محمد علي" (كربلا) لم أنس لحظة عبرنا حقول الظلام... لم أنس كيف أشعلت شمعتك الهرمة.. وتسللت خفية إلى قبو صغير، وبهمسة صغيرة أيقظتنا، أطعمتنا كل خبزك وعنبك، وخبأت لنا من دموعك عيناً لنشرب، قلت أن الطريق طويل ولا بد من الزاد، سألنا عن أمّنا.. عن والدنا، أين نحن؟ فأجبتنا بابتسامة مريرة: سنلحق بهم قريباً. الفجر في مطلعه، الغابات كثيفة والأرض موحلة.. أشرت بيدك إلى الطريق، حملت كل أطفال الحيّ، تشدّين إلى صدرك رواياتهم العتيقة.. ومضيت... تشقين خطوط النهار وتحفين بوقار ثوبك أوراق الشجر، وتكسرين أشواك العوسج المنصوبة. لم أمس يوماً، أسقطت فيه ذراعك لتنتشلينا... كلما هاجمنا عطش السنين المقفرة، بسطت يدك المثقلة بالدموع ورويتنا. لم أنس كيف آويتنا إلى جذع شجرة، وقلت: برفقٍ عليها... إنها تاريخ هذه الأرض... إنها وصية أجدادي. ذهبت تمشطين الحقول بغمام كثيف، وإذ به زورق كبير، لا... إنه جسد عظيم، لا... إنه... جسر وقور! دنوت منه، وعلى شفاهك صراخ الأزقة الخالية، وبرودة الأغصان في صباح بارد. دنوت أكثر، قبّلت جبينه ويديه ولونت بحزنك الدامي كل جراحه، مدّدته طويلاً وقلت: "اعبروا... اعبروا... ولكن برفق"! لم أنس لحظة غابت جوارحك وبانت عيناك كسماء مكفهرة، وتحوّلت وجنتاك إلى نهرين كبيرين، تطوف بهما النجوم وتقرع أبواب الصباحات. نهران كبيران، يذيبان كل الملح عن أرضنا ويطهرّان أعتابها.
لم أنس كيف قلتها: "برفق اعبروا... إنه ولدي! إنه ابني الشهيد". وقفنا لحظة.. شهراً.. زمناً.. كيف نعبر على جسر شيّدته بأشلاء ولدك.. بجسد ابنك الشهيد؟ كيف نعبر؟ كيف؟ لم أنس كيف عبرت بنا يا أمنا.. ومضينا، في أعناقنا لآلئ الذكرى وفي عيوننا رسومات قديمة وروايات، خيالات واهات... لم أنس كيف ناديتني البارحة والحسرة بعينيك، وطلبت مني المساعدة: "ارفع معي صورة ولدي إلى السماء، فأنا لا أريدها أن تنسى... ارفع معي صورة الشهادة والنصر". لن ننسى يا أم الشهيد، يا أمنا، صورة ولدك الحبيب، ولن ينسى عبورنا.
ملاك زاهي الزين