إن مولد الإمام الحجة عجل الله فرجه يمثل عيداً عظيماً للشيعة، بل لناشدي العدالة في العالم، لذا فإن شعبنا يعبّر عن هذا العيد بكل وجوده ومن أعماق قلبه وروحه عن محبته وتعلّقه بالإمام بقية الله (أرواحنا فداه). المهم بالنسبة لنا محبي الإمام المهدي سلام الله عليه والمعتقدين بإمامته وولايته هو أن نستلهم الدروس من هذه الذكرى التأريخية بالإضافة إلى التعبير عن المحبة والسرور.
* تدمير صروح الظلم
إن انتظار المنتظرين للمهدي الموعود إنما هو انتظار لاستتباب العدل، ففقدان العدالة أكبر همّ تعانيه البشرية اليوم إذ مارست أنظمة الظلم والجور في أرجاء العالم الإجحاف بشتّى صوره بحق الإنسانية، والإنسان إنما ينشد إزالة هذا الواقع وينتظره من ظهور المهدي الموعود. فالقضية هي طلب للعدالة، وأن أول درس نستقيه من هذا الموضوع هو تدمير صرح الظلم على المستوى العالمي، وهو ليس ممكناً فحسب بل حتمي، وأنه لأمر في غاية الأهمية أن لا تتصور الأجيال البشرية المعاصرة أن فعل شيء في مواجهة الظلم العالمي أمر مستحيل. إن الإيمان بالمهدي الموعود يملأ القلوب بنور الأمل، بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالظهور الحتمي للمهدي الموعود عجل الله فرجه في المستقبل فنحن نقول "كلاّ، بالإمكان تغيير الخارطة السياسية للعالم، و بالإمكان مقارعة الظلم ومراكز القوة، وهذا المعنى ليس ممكناً فقط في المستقبل بل هو حتمي. وإذا ما آمن شعب بإمكانية تغيير الخارطة الشيطانية الظالمة القائمة اليوم في العالم تملّكته الشجاعة والشعور بأن يد القضاء لم تكتب بشكل محتوم هيمنة الظالمين إلى الأبد. انظروا ما الذي سيحدث في العالم وكيف سيعم الوعي الشعوب فيما لو غرست شعوب العالم الرازحة الآن تحت نير الظلم والجور في قلوبها الأمل بإمكانية مقارعة الظلم. إن أجهزة الإعلام التابعة للدوائر الاستكبارية العالمية والمثقفين الدائرين في فلكها يروّجون اليوم إلى استحالة أي تحرك لمواجهة النظام الظالم القائم حالياً، محاولين دفع الشعب للتأقلم مع الوضع المعاصر في العالم الذي يسوده الظلم وعدم إبداء أي ردّ فعل تجاهه فيما تمثل فكرة الاعتقاد بالمهدي عجل الله فرجه النقطة المعاكسة لهذه الدعايات الخاطئة الظالمة.
* العدالة بالقوة
الدرس الآخر الذي ينبغي أن يعلّمنا إيّاه الاعتقاد بالمهدوية وأعياد النصف من شعبان هو أن العدالة التي ننتظرها عدالة الإمام المهدي عجل الله فرجه التي تشمل العالم بأسره لا تتأتى عبر الموعظة والنصيحة، أي أن المهدي عجل الله فرجه موعود الأمم لا يأتي ليقدم النصح للظلمة في العالم ليكفوا عن ظلمهم وأطماعهم وتسلطهم واستغلالهم فالعدالة لا تتحقق في أية بقعة من العالم عن طريق لغة النصح، وإنما إقرار العدل على ربوع المعمورة بالنحو الذي سيرسيه وارث الأنبياء أو في أيّ من بقاع العالم، يحتاج إلى أن يمسك العادلون والصالحون ودعاة العدل من الناس بالقوة ويخاطبوا الجبابرة بلغة القوة. لاحظوا في هذه الآية القرآنية التي تتحدث عن القسط وتقول إن اللَّه سبحانه وتعالى بعث النبيين ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط﴾، فإنها تقول مباشرة ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾، أي أن الأنبياء بالإضافة إلى دعوتهم باللسان فإنهم يواجهون الأقوياء والعتاة المدجّجين بالسلاح والمتغطرسين والمتسلطين الفاسدين ويقارعونهم، فلا بد لأنصار العدالة من التزود بالقوة في مواجهة المتعسفين والطامعين والمعتدين على حقوق الإنسان. ولقد خطا النظام الإسلامي والشعب الإيراني المسلم الخطوة العملاقة في هذا الدرب، وبفضل جهاد شباب هذا الشعب والمؤمنين من رجاله ونسائه بر، الإسلام كقوة على الصعيد العالمي وكلما استطاعت هذه القوة أن تزداد ثباتاً ورسوخاً تضاعف الخطر الذي يهدد النظام الظالم والشيطاني في العالم.
* الاستعداد لظهور المهدي عجل الله فرجه
ومن الدروس الأخرى المستقاة من الإيمان بالمهدي ومن احتفالات النصف من شعبان بالنسبة لي ولكم هو أنه بالرغم من أن الإيمان بالمهدي (أرواحنا فداه) يمثل غاية سامية لا يتطرق إليها الشك. ولكن يجب أن لا تنتهي القضية عند حدود بعد التمنّي فيها أي تبقى طموحاً قلبياً أو تتخذ طابعاً احتفالياً أو تتردد على اللسان على أحسن تقدير كلا، فهي أمنية لا بد أن يردفها العمل، فالانتظار الذي تحدثوا عنه ليس الجلوس وذرف الدموع، بل الانتظار إنما يعني وجوب إعداد أنفسنا جنوداً لإمام الزمان، فينبغي أن لا يراودنا التصور أنه بما أن إمام الزمان سيأتي ويملأ الدنيا عدلاً وقسطاً فلا تكليف علينا الآن. كلا، بل العكس، إذ أننا مكلفون الآن بالتحرك باتجاه الاستعداد لظهوره عجل الله فرجه. إن أعظم واجب يتحمله المنتظرون لإمام الزمان هو الاستعداد من الناحية المعنوية والأخلاقية والعملية ومن حيث ترسيخهم للأواصر الدينية والعقائدية والعاطفية مع المؤمنين، وكذلك منابذة الجبابرة.
* الحكومة الشعبية
وثمة درس مهم آخر وهو أن الحكومة المستقبلية للمهدي الموعود (أرواحنا فداه) حكومة شعبية بكل معنى الكلمة، فماذا تعني الشعبية يا ترى؟ إنها تعني الاعتماد على إيمان الجماهير وإرادتها وسواعدها، فإن إمام الزمان لا يملأ الدنيا عدلاً وقسطاً بمفرده، وإنما يقرّ العدل الإلهي في كافة أرجاء المعمورة ويقيم حكومة شعبية مائة بالمائة مستعيناً بالجماهير المؤمنة ومعتمداً عليها، والفارق بين هذه الحكومة الشعبية والحكومات التي تدّعي الشعبية والديمقراطية في عالمنا المعاصر كالبعد ما بين الأرض والسماء. إن الديمقراطيات السائدة في عالمنا المعاصر تقوم على الأعلام المزيّف الماكر وخداع الأبصار والقلوب.
* مقتطف من محاضرة للإمام الخامنئي تحت عنوان الفهم الصحيح لانتظار الفرج دافع نحو التغيير ألقيت بتاريخ 15 شعبان 1423هـ.