أبو هادي
كانت المرة الأولى التي أزور فيها بريطانيا، وحينها كنت مندهشاً لما شاهدته من عمائر ومبانٍ تراثية ولكن ما حدث معي أثناء زيارة مدينة "ليدز" يجعلني أذكرها في كل محضر لأهميته، فالمسافة بينها وبين لندن تناهز ألف كلم ووقتها في الذهاب كنت أرمق الريف الأخضر الكبير المترامي على جانبي الطريق في حقول وبساتين وغابات حتى قطعت المسافة في الباص دون أن أشعر بذلك، ولكن أثناء الأياب عرجت على سوق الخضار بإزاء محطة الباصات واشتريت العنب والموز للتسلية أثناء ثمانية ساعات من السفر المضني، ثم شرعت بالأكل من العنب حيناً ومن الموز حيناً آخر، وإذ بالجميع من حولي يرمقونني بنظراتهم الحادة مع العلم أن الأكل في الباص مسموح، وإنني أجيد الإنكليزية ولا شيء يميزني عن البريطانيين أنفسهم، فقلت في خاطري لعلهم عرفونني عربياً مسلماً أو من حزب محظور هناك، فلم أعر انتباهاً وسلمت أمري للَّه عزَّ وجلَّ وبقيت على حالتي أتناول فاكهتي بمحض راحتي، ولكن راعني أن الجميع ممن حولي كانوا منشغلين إما بقراءة جريدة، أو مجلة، أو كمبيوتر نقّال، أو ألعاب، أو قصة، أو كتاب فيما أنا أكل وسائق الشاحنة يقودها، عندها علمت السبب في نظراتهم الحادة، فأنا أقتل وقتي بالطعام والطعام فيما هم يملأونه بالعلم والعلم، واللطيف في الموضوع أنني كنت الوحيد الذي يسارع إلى دورة المياه عند كل محطة...