نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: أمال تشّوني.
محلّ الولادة وتاريخها: عدشيت الشقيف 25/7/1987م.
رقم القيد: 1575.
الوضع الاجتماعيّ: خاطب.
مكان الاستشهاد وتاريخه: القصير 25/5/2013م.
"راحت الحرب وراحت علينا.. الله أعلم، يمكن الله تاركنا لأيّام تانية". وبحسرةٍ قلّب حسين تلك الأيّام يوماً بعد آخر، بتلك اليدين اللتين حملتا طوال 33 يوماً الصواريخ في أكثر المناطق خطورةً واستهدافاً في حرب تمّوز، التي ما إن وضعت أوزارها، حتّى ظنّ أنّ فرصة نيل الشهادة نَدُرت، غير أنّ قلبه كان يُنبئه بشيءٍ ما، وبمكانٍ ما، فكان هذا الشعور زيت قنديل أحلامه. وعندما وصلت أمّه إلى مكّة المكرّمة لأداء مناسك الحجّ، اتّصل بها حسين مطمئنّاً، ومُذكّراً إيّاها بأنّ لها ثلاثَ دعواتٍ مستجابة إحداها: "ادعِ لي بالشهادة"، قال لها. لم تعرف بماذا تردّ، ولم يستجبْ فؤادها ولسانها لطلبه، فلجأت إلى الشيخ تستشيره بأمرها، فنصحها أن تدعو لابنها بأن ينال ما يتمنّى.
•جدّيّـــة منذ نعومـــة أظفاره
حسين صاحب القلب الحنون جدّاً، والرقيق منذ طفولته، تميّز بوجهٍ عبوس، لا يُضحكه شيء، وكأنّه يفرض شخصيّته على من حوله وهو لا يزال يتعثّر بمشيته، فاتّخذ بعضهم من مسألة إضحاكه تحدّياً لهم لم يفضِ إلى أيّ ابتسامة منه. ولم تكن تلك التقاسيم الجدّيّة إلّا انعكاساً لشخصيّة كلّما كبرتْ زاد وعيها وحرصها على أن يكون كلّ شيءٍ "تمام".
•"هذا ما يجعلها تعمل"
أكثر ما كان يخيف أمّه عليه هو فضوله الزائد في معرفة كيفيّة عمل كلّ شيء، وخصوصاً السلاح الذي ظهر شغفه به وهو في السنتين من عمره، فكانت تطلب إلى زوجها أن يخبّئ السلاح في مكانٍ عالٍ جدّاً حتّى لا تصل إليه يدا حسين "المخرّب الصغير". وفي يومٍ من الأيّام، أخذ ذلك الولد الشقيّ ساعةً ثمينة لوالده أرسلها له أخوه من الخليج، وتسلّل بها إلى الحقل حيث فكّكها، ثمّ توجّه فخوراً بنفسه إلى أبيه حاملاً عقرب الساعة بين أصابعه قائلاً له: "هذا ما يجعلها تعمل"!
•مذ كان جنيناً
منذ أن كان جنيناً في رحم أمّه، ذاق حسين المعنى الحقيقيّ للحرب، وأدرك أنّ الإنسان لا يمكن له أن يكون على حيادٍ في هذه الحياة عندما تكون المعركة بين الحقّ والباطل، مذ أحسَّ بأصابعها تقبضُ على بطنها لتحميه من فوهة بندقيّة وُضعت تهديداً لها، بعد أن اقتحمت مجموعةٌ من المسلّحين المنزل وهي وحدها، لتشي بأخبار عن زوجها الجنديّ في الجيش اللبنانيّ؛ يومها قلبوا البيت رأساً على عقب، وظلّت هي تحتضنُ بطنها لتحميها، وما إن جاء زوجها حتّى طلبت إليه أن يذهب بها إلى القرية.
•الحضن الدافئ
تميّز حسين بين إخوته بمبادرته السريعة لخدمة والديه، حتّى إنّ أمّه صارت تنتظرُ فرصته المدرسيّة ليساعدها في أمور البيت. وكان وإخوته روحاً واحدة في أجساد متفرّقة، وكانت تربطه بأخته علاقة خاصّة، إذ كان يخاف عليها كثيراً ويحرص على حمايتها، فمرّةً لاحظَ وهو في المدرسة الابتدائيّة، الفزع في عينيها الصغيرتين، فاقترب منها مستوضحاً الأمر، فكادت تبكي وهي تخبره أنّها نسيت تقليم أظافر يديها، ما سيسبّب لها توبيخاً من المعلّمة. هدّأ من روعها، وعالج بها الأمر بطريقة طفوليّة، ثمّ ضمّها إليه لتطمئنّ إلى أنّ أحداً لا يمكن أن يمسّها بسوء وهو موجود.
•من جنود صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
ما إن بلغ حسين الرابعة عشرة من عمره، حتّى اختزل أيّامه بهدف واحد؛ وهو صقل مهاراته القتاليّة ليكون جنديّاً من جنود صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. وكرّت سبحة طويلة من الدورات التخصّصيّة، وكان من القلّة الذين استطاعوا أن يراكموا خبرات في فترة زمنيّة قصيرة، ولم يوفّر أي جلسة مع والده من شأنها أن تزوّده بمجموعة من الاستفسارات العسكريّة ليستفيد من خبرته.
•على خطى الإمام الخمينيّ قدس سره
"الخمينيّ"؛ هذا ما لقّبه به أصدقاؤه. ويكفي هذا اللقب ليرفع الستار عن حياة عباديّة مميّزة، بدأت من صلاة لفّها الهدوء والسكينة والغياب عن هذا العالم الماديّ، إلى زهدٍ قلّ نظيره، فلم يعنِ له شيئاً اقتناء أيّ شيء، حتّى إنّ ملابسه الجديدة التي كانت تفرضها أمّه عليه، يختفي أغلبها بعد أسبوع؛ لأنّه كان يوزّعها على الناس. أمّا في تعامله مع الأمور، فكان الحكم الشرعيّ هو المدماك الأساس، فلا يخاف في الله لومة لائم. وعندما قبض راتبه الأوّل، وعلى قلّته، عيّن رأس سنة هجريّة للخُمس.
•حسين "الآدمي"
كان حسين ذا ثقافةٍ واسعة، لا يخوض في موضوع دينيّ أو اجتماعيّ أو حتّى في تربية الأطفال، إلّا وكان مُنَظِّراً له. وإذا عُرف عنه بين أصدقائه أنّه شخص هادئ سموح، إلّا أنّه شخص حازم فيما يتعلّق بأمور العمل، لا يتنازلُ عن الحقّ مهما كان ثمن ذلك؛ ولذا كان مسؤوله يناديه دوماً بـ"الآدمي" عوضاً عن اسمه الجهاديّ.
•25 أيّار.. عرسٌ بعرسين
كان حسين يحضّر بيته الزوجيّ بموازاة التحضير لمعركة القصير، فيما حدّد أخوه موعد زفافه في 25 أيّار ليتزامن مع عيد التحرير. ولمّا اقتربت ساعة الالتحاق بالجبهة، ودّع حسين أهله وخطيبته دون أن يعلم أحد وجهته. وقبيل الانطلاق إلى المعركة، طلب إلى رفاقه إذا ما أُصيب أو استشهد ألّا يخبروا أهله إلّا بعد 25 أيّار، فهو لا يريد أن يفسد زفاف شقيقه.
انطلقت المعركة التي حملت نفحات أيّام انتظرها حسين. ومع بداية المعركة، ارتقى العديد من المجاهدين شهداء وسقط منهم جرحى، منهم حسين الذي حُمل إلى مستشفى دار الحكمة، فشقَّ والداه وخطيبته طريق الليل إليه بعد أن وصلهم الخبر، غير أنّ وصولهم تزامن مع لحظة استشهاده.
في 25 أيّار، أُقيم عرس حسين، عرس من نوعٍ آخر؛ زفّته أمّه بالزغاريد ونثر الورد والأرزّ.. أمّا والده، فقد ارتدى بزّته العسكريّة واستقبل الناس بها، ليؤكّد لهم على خياراتهم الثابتة.