ديما جمعة فوّاز
تبدأ يوميّات رامي من أوّل مرآة يراها...
•في المصعد- أمام المرآة
وقف رامي متأمّلاً صورته المنعكسة. رتّب خصلات شعره، ورفعها قليلاً عن جبينه، تأمّل ذقنه، ورمى نظرةً إلى عينيه الخضراوين هامساً: "ما أجملني.. أحتاج فقط إلى عمليّة تجميل لتحسين أنفي وأصير شابّاً كامل الوسامة!". توقّف المصعد عند الطابق الثاني، وصعد ابن جارهم الصغير متعثّراً بشريط حذائه، فطلب منه خجلاً: "هلّا ساعدتني في ربط الشريط؟". رمقه رامي بازدراءٍ، وصاح فيه: "كلّا، ما دخلي أنا بشريط حذائك؟!".
•في الجامعة – في القاعة
أخفى رامي هاتفه الخلويّ، وبدأ يتصفّح صوره الشخصيّة في القرية، واختار أكثرها تميّزاً، تلك التي لا تُظهر انحناءة أنفه، ليضعها على صفحته الفايسبوكيّة.. وبينما كان يحسّن ألوانها، صاح به الأستاذ: "رامي! اخرج من القاعة الآن!"، فقام من مكانه مصدراً ضجيجاً، وبدأ يمشي مختالاً ببطء غير عابئ بالأستاذ، يوجّه إليه نظراتٍ قاسية، فيما زملاؤه يتهامسون: "كم هو وقح!". خرج من القاعة مكرّراً بينه وبين نفسه: "الجميع، حتّى الأستاذ يغارون منّي، لأنّني أتفوّق عليهم بجمالي.. أحتاج فقط إلى تلك العمليّة لأنفي!".
•في طريق العودة – في سيّارة الأجرة
جلس رامي قرب سائق الأجرة، الذي كان يشكو صعوبة الأوضاع الاقتصاديّة، وعدم تمكّنه من علاج ابنه من مرضٍ مزمن، ويطلب المساعدة بأسلوب غير مباشر، فرمقه رامي مؤكّداً: "بالفعل، العلاج في لبنان صعب! تخيّل أنّ عمليّة تجميل أنفي تتطلّب منّي العمل مدّةَ ثلاثة أشهر كي أجمع تكاليفها!". فصاح به السائق: "عمليّة تجميليّة؟! ولكنّك يا بنيّ حَسَنُ المظهر، ولا تحتاج إلى شيء". تبسّم له رامي شاكراً: "معك حقّ يا عم، ولكن في الصور تبدو انحناءة أنفي قبيحة، وهي توتّرني.. شكراً لك، أنزلني هنا، لقد وصلتُ إلى منزلي".
•في غرفته- أمام شاشة الكمبيوتر
رمى ملابس أخيه المبعثرة على الطاولة أرضاً، وأمسك ألعاب أخته الصغيرة الموجودة على السرير ورماها نحو الحائط صائحاً: "إنّها غرفتي، وعليكم أن تحترموا النظام فيها!". وبحركةٍ خفيفة، ارتمى على المقعد ليقرأ تعليقات الرفاق على صوره ويتأكّد من أن الأصدقاء جميعاً وضعوا "لايك".. وفجأةً، رأى التعليق التالي من غريب:
- أنتَ جميل وهادئ الطبع كما تبدو، ألا تعاني من أيّ عيب في شخصك، أو أنّك كامل الخَلق والخُلق؟!
- ابتسم وردّ عليه: "لست كاملاً، أعتقد أنّني جميل، ولكنّني أسعى لتطوير نفسي أكثر".
- "أحسنت.. جميعنا بحاجة إلى عمليّة تهذيبٍ دائمةٍ للنفس، والالتفات إلى انحناءات الحياة القاسية التي يمكن أن تزلزل أقدامنا.. وعلينا أن نكرّر دوماً: اللهمّ كما حسّنت خَلقي حسِّن خُلُقي".
لم يجبه، ولكنّه استغرب العبارة، وهمس لنفسه: "عن أيّ عمليّة تراه يتكلّم؟!". وسرعان ما قفز من أمام الشاشة صائحاً بعلوّ صوته: "أمّي! لا بدّ من أن أقوم بعمليّة تجميل أنفي قريباً! لم أعد أحتمل الانتقادات المستمرّة لانحناءته!".