لقد زخرت حوزاتنا العلمية بشموس علم وتقوى وزهد وورع انقطعوا إلى اللَّه وسلكوا السبيل إلى قربه فجاهدوا أنفسهم في إزالة كل العوائق والمشاغل التي تمنعهم وتشغلهم عن اللَّه عزَّ وجلَّ ليصلوا إلى حقيقة التوحيد والفناء في اللَّه، فكانوا موحدين في الظاهر والباطن، وجاهدوا كل أصنام وطواغيت عصرهم حتى غدوا قدوة وأسوة في العلم الحقيقي والعمل الخالص. وأناروا الطريق لكل السالكين العاشقين للَّه، المسرعين إليه بالروح والجسد، وربّوا وعلّموا وأدّبوا وأنتجوا مصابيح نور مضيئة، بعضها استشهد وبعضها ما زال ينتظر وما بدّلوا تبديلاً. من هذه الشموس آية الله السيد رضا بهاء الديني"قده" الذي كان رفيق درب الإمام الخميني قدس سره، ومن محبيه وناصريه ومؤيديه. ونستعرض لمحات من سيرة هذا العالم الرباني على لسان بعض من عرفوه وعايشوه.
* نجم مشرق في عالم العرفان
من كلام للسيد القائد علي الخامنئي "دام ظله" في تأبين العارف آية الله العظمى بهاء الديني قدس سره: "بألمٍ وغصّة تلقينا الخبر، أن العالم الرباني والفقيه العارف والصالح حضرة آية الله الحاج رضا بهاء الديني قدس سره ودَّع العالم الفاني، والتحق بجوار رحمة الحق. هذه خسارة لا تجبر، وفقدان مؤلم لحوزة قم العلمية وروحانية الإسلام المعظمة. كان هذا العالم الكبير من جملة النوادر حيث كان كالنجم المشرق بالمعنوية والعرفان مرشداً للخواص، ومصدر أنسٍ وأمل للبارزين في الحوزات العلمية، مقام هذا الرجل العظيم الأخلاقي والمعنوي الرفيع أدى إلى أن تشرق كل كلمةٍ وإشارة منه كالبرق في عين مريديه، وتفتح باباً إلى عوالم المعنى. مجلسه كان دائماً معراج روح الفضلاء الشباب المستعدّة، الذين كانوا يريدون أن يوائموا علم الدين مع صفاء العرفان الديني العطر. كان معلم أخلاقٍ وسالكاً إلى اللَّه، وكان حديثه النوراني وكلامه الكاشف للأسرار يُغرق القلب في ذكر اللَّه. كان "شيخ مراد"(*) شباب الجبهة والحرب الأطهار في زمان الدفاع المقدّس، وشمع محفل التعبويين العشاق. وقد ضاعف بحضوره مراتٍ عديدةٍ نوارنية صفوف مقدَّم الجبهة. هذا العالم الكهل والمراد والرضي للفضلاء والعلماء أمضى عمره المبارك والمفعم بالفيض في جنَّة من الصلاح وحياةٍ زاهدة في منزل كان لسنوات شاهداً على فناء صاحبه المعنوي. وقد جعل عدم اعتنائه الحقيقي بالزخارف الفانية الدنيوية، الذي هو سيرة جميع أهل القلب البارزين في الحوزات العلمية، درسه الموروث. كما أن حياة هذا الأسوة في الصلاح والتقوى كانت محسوسة في حوزة قم العلمية وبارزة"...
* حقارة الدنيا في نظره
كتب عنه السيد محمد رضا الطباطبائي: "آية الله العظمى بهاء الديني قدس سره كان من جملة العلماء ذوي الفضيلة الذين يعرفهم أهل السماء أفضل من أهل الأرض، فأمثاله كالنجوم في سماء الفضيلة والحقيقة... الشيء الذي أعطى آية الله العظمى بهاء الديني عظمةً في قلب وروح أهل المعرفة، هو حقارة الدنيا والدنيويين في عينه. هو لم يكن يعطي قيمة واعتباراً لما سوى اللَّه. للتراب والذهب، الفقر والغنى السلامة والمرض. الوحدة والاجتماع، لإقبال وإدبار هذا وذاك وكثير من الأضداد. عندما فقد ولده الصالح والبار المرحوم السيد حميد الديني في سن الشباب، لم يحنِ حاجبهِ، ولم يظهر أقل خللٍ في سكون وهدوء كلامه، في حين أن العلاقة بينهما كانت شديدة وأوسع من حد عواطف الأب والابن... إن الذين نالوا توفيق المجالسة مع آية الله بهاء الديني يعلمون جيداً أن الجلوس على التراب والأرض بالنسبة إليه مساوٍ للجلوس على أغلى المجالس.
كان هذا الرجل العظيم يقبل دعوة الفقراء والمعدمين اقتداءً بجده العظيم، وكان يتناول طعامهم بوجه منبسط، وكان يستطلع جوانب أمورهم الإيجابية ويمجدها ويمدحها. لهذا كان كل من يجلس معه مرةً واحدة، ويتعرف عليه من قرب كانت تأخذه فضلاً عن الفائدة المعنوية والعلمية موجة من الفرح والأمل. كانت طريقة آية الله العظمى بهاء الديني التوجيه للأصول والمباني. على هذا الأساس كانت وصاياه غالباً من هذا القبيل: يجب التعرّف على اللَّه، في محضر اللَّه وأولياء اللَّه يوجد كل شيء، في الأماكن الأخرى لا يوجد فيها أي شيء: العلم والحياة، والعافية، والدنيا والآخرة هناك. هو كان يعتقد أن الإمام الخميني قدس سره الأسوة والقدوة في العصر الحاضر، وكان يقول: للأسف إن أكثر أهل العلم ليس لديهم سنخية مع الإمام، إن إتمام الحجة من الإمام قدس سره على الروحانيين ليس أقل من ثورته العالمية... الإمام أظهر أن الروحانيين يجب أن يخدموا دين ودنيا الناس، ويُحيوا أمة.
آية الله العظمى بهاء الديني... في شبابه كان مورد العناية الخاصة للمرحوم آية الله العظمى الشيخ أبي القاسم الكبير القمي، وآية الله العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي مؤسس حوزة قم العلمية. وبعده كان لدى الايات العظام، السيد أبو الحسن الأصفهاني، والسيد صدر الدين الصدر عناية به واعتماد تام. في زمان التحصيل كان رفيق الدرب والسر لمصابيح مثل آية الله الحاج السيد أحمد الزنجاني، آية الله الميرزا أبي الفضل الزاهدي والإمام الخميني قدس سره. ويضيء اسم الشهيد مطهري، الإمام موسى الصدر، الشهيد مصطفى الخميني قدس سره وكان قائد الثورة الإسلامية أيضاً حضرة آية الله الخامنئي "دام ظله" في زمرة طلابه ومريديه. هذا الأمر مورد وفاق جميع علماء الحوزة البارزين، وهو أن مقام آية الله العظمى بهاء الديني قدس سره وحوزته الدراسية كانت دائماً تتمتع بمكانة رفيعة وموقع هام. يقول أحد العلماء: "درسنا الكفاية عنده، وكان خلال تدريسه يطرح مطالب، وعندما شاركنا في درس الحاج حضرة الإمام الخميني قدس سره رأينا أن حضرة الإمام أيضاً يذكر هذه المطالب". التنسيق الكامل بين الإمام قدس سره وآية الله بهاء الديني كان بحيث أنه كان يرى مراراً ومراراً أن آية الله بهاء الديني كان يبرز رأياً في موضوع ما، ثم يصدر هذا الرأي أيضاً عن الإمام في وسائل الإعلام. كان ينظر إلى ثورة الإمام الخميني قدس سره الإسلامية كحادثة عظيمة وقيمة. وقد أعلن رضا أولياء الدين عن الإمام الخميني"قده" وكان يقول: "رأيت فاطمة الزهراء والأئمة المعصومين عليهم السلام وهم مسرورون ومبتهجون من الإمام الخميني قدس سره". وعن موضوع نفور آية الله بهاء الديني من الأشخاص غير الصالحين لا بد من القول أن لقاءه بهم كان بالنسبة إليه نوع من العذاب الروحي وهو نفسه كان يقول: "حتى في سن الشباب في كثير من الأوقات كنت أختار طرقاً طويلة كي أكون في أمان من رؤية الوجوه الجهنمية".
رحم اللَّه هذا العالم الرباني العظيم الذي يعتبر فقدانه بحق ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة، وجعلنا من المقتدين بآثاره التي هي حقاً آثار أهل بيت النبوة عليهم السلام.
(*) الشيخ المربي الذي يوصل السالك إلى المراد