نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مشاركات القراء: أغانٍ حزينة شهد الأسيرة المحررة رسمية جابر في معتقل الخيام‏

فاطمة مراد

 



... وكان قد حل المساء... واتجهت كل واحدة ناحية الزاوية التي غدت المكان والمسكن... تلوذ إليها بتثاقل وترمي حولها أثقالها، وأشواقها... والسأم الذي يأبى إلا أن يعصر الروح رغم تمردها كالمارد... فتنفلت من قبضته، فيعصرها مرَّة جديدة في سباق مضن... وأيام تتوالى من رحم التلاشي الذي كنا ننفضه كلما ارتسم أشباحاً... وأطيافاً سوداء من خلف الكسوة وحولها في صور باهتة... ونفوس على حافة اليأس... ونغم... ونشيج يكاد لا يهدأ كلما عبرت الذكرى والتفَّت خلف الأسوار وانسلَّت إلى الداخل، رقراقة كينبوع عذب تغسل الدرن الذي علق منذ سنين... تروي الظمأ... وتمسح الصدأ...

أما هي فقد بقيت واقفة بالقرب من الكوَّة الضيقة... مأخوذة، كالأنفاس الأخيرة... تلتقط الصور الغائرة في العمق داخل ارتعاشة القلب كما العين... كأنها ترى وجهه... كأنه يبكي بين يديها أو يضحك... كأنه يناديها للمرة الأولى... ماما فيرف جفنها بدهشة... يزهو ثم لا تلبث أن تضمه وتشده إلى صدرها بقوة... وتشرع بملاعبته كومضة داخل البريق... بريق الأمل الذي كانت دائماً تشعر معه بالدف‏ء العجيب: أن يكبر "أحمد" بين يديها، وأن يغدو سر وجودها... أن ينمو في ظل الأرض وتسقيه النضارة... والخضرة... كالحور، كالسنديان... كشجر الزيتون وقد أحرقوه ورموا حباته من بين يديها... وسبوها. ولم نفلح أن نخمد اللهب الذي تذكيه اللحظات في وجدانها... والذكريات... والمناسبات التي يعلموننا بخبث عن قدوم ميعادها... سيما الأعياد، فمنذ اعتقالها والدمعة لم تبرح تلمع داخل المقلتين كوجه "أحمد" الملتصق بها لا يفارقها رغم تعوّدنا وتأقلمنا جميعاً في خضم حياتنا الجديدة المختزلة منا كجمرة تخبو... كبضعة سطور في قواميسنا... وفدية استحقت.

... راحت تتلاشى الساعات... ويتعالى صخب الريح... وضجيج المطر، وهي ما زالت واقفة تغوص في البعيد ونظراتها لا تشبع فناديتها: يا عزيزتي تعالي، واجلسي لقد أتعبك الوقوف... ويكاد البرد يجمدك... أرجوك تعالي، واجلسي! ... استدارت فإذا رحيق "أحمد" عصارة شوق تُضرج خديها بلون الأرجوان... الأحمر... ونجمة ذهبية بلون القمح تتوهج في عينيها... ونظرتها، كالبدر يضي‏ء الظلال الباهتة، فتشتعل حماساً وتصارع العتمة... والبرد، والخوف... والانتظار عند الأرصفة التي علقوا فوق عواميدها المظلمة... لوائح عودتنا. وما لبث النسيم أن راح يتلاعب بنغمة شجية لا زالت تُسمع أصداؤها إلى اليوم رغم مرور الزمن... وعودتنا، وانتصارنا... تدور حول الجدران في الداخل الخاوي إلا من أنفاسنا... وبقايانا ثم تنطلق إلى الخارج تتأرجح وتعلو، وتعلو ومشاحات حمر... وأفلاك تحوم... وأجراس ترن دون تقطع من اهتزاز القيد في يد الأم الأسيرة... لتمسك بالنبض، وتنشد في تلك الليلة الشتوية لوهج القمر الغائب ليلة العيد تلك... لبذلة العيد... للأراجيح الخالية، والضحك المسروق... على المواويل... والأغاني الحزينة كالهديل فوق صوت "المزاريب"... والصخب... وقرع المطر. تدثرنا الحزن... وبكينا... ولفنا السهاد الطويل... ؟

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع