نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهداء الوعد الصادق هيثم وحسن وقاسم علي غريب

نسرين إدريس

 



هيثم علي غريب (مواليد 1981) متأهل وله ولد.
حسن علي غريب (مواليد 1974) متأهل وله ولدان.
قاسم علي غريب (مواليد 1971) عازب.
اسم الأم: ندى حيدر
محل الولادة: الناقورة
محل وتاريخ الاستشهاد: الناقورة 6 - 8 - 2006


هم رفاقُ البحر منذ الصغر، خاضوا غماره، وتحدّوا عتوّه، ولم يغلبهم موج أو ريح، فالشاطئ الذي حفظَ دَوس أقدامهم، يدرك أنهم سيعودون بالصيد الوفير.. لقد عاشوا وتراب الأرض ينبض عشقاً بداخلهم، وكانوا يرسمون وجه الوطن بسواعدهم السمراء، ويزرعون في أعماقه أحلامهم الحمراء..

هو ذا هيثم يعودُ مع الفجر، حاملاً الحطب والماء ليجلس مع أمه ويساعدها في عجن الطحين وخَبْزِه، بعد أن بذر أرضه ببذارِ المواسم. وهذا حسنٌ، قد أرسى قاربه، ولَمَّ شباكه من البحرِ، وشمس الأصيل تلفح جبهته.. أما قاسم، فلهُ ألف أغنية عند الصباح، وله يطير الطيبُ ويعبق بالروح، ولعينيه تتغامز المرايا عندما تمسح أمه بكفيها على كتفيه، وهي تتلو السور القصار، خوفاً عليه من العيون..

ثلاثة من أربعة عشر ولداً، تنقلوا من بلدة البازورية إلى طير حرفا ثم الناقورة، عائلة في كنف والدٍ عرف كيف يزرع الإيمان في نفوس أولاده ويعلمهم كيف يتنفسون التراب، وكيف إذا ما زرعوا الشجر، أورقت أفنانها في قلوبهم. وفي حضن أم فرشتْ أهدابها لهم سجادة صلاة، حتى إذا ما أظلمت الدنيا بوشاح الغدر، لم تُضيّع قلوبهم بوصلة الطريق، فقد غذّتهم بحبّ آل البيت عليهم السلام، وربّتهم على التعاضد ، وجمعتهم في العائلة الكبيرة التي حفظها الله، وفي كل يومٍ تراهم حولها يضجون بالأخبار والحكايا، ويأتي الأولاد يحملون لها الأحفاد، وهي تشكر الله على جزيل نعمه..

كان هيثمُ يعود من عملهِ في زراعة الحقل على عجلٍ، ليأنسَ بأهله وعائلته، فلا يتعبُ من المِزاح، ويثير حوله ضجةً من الأنس، فيُصارع إخوته ووالديه، ولا تنطفئ ضحكته إلا إذا غلبه النعاس.. وبيديه اللتين حرثتا الأرض، بحثَ بين حباتها عن الألغام والقنابل العنقودية المنسيّة، فتطوع مع جمعية مكافحة الألغام، لينتزع الموت الذي يغدر بالأبرياء في لحظة عمياء.. ويسابقُ الهدوء حسن، وهو الذي كان يشقّ عباب البحر صباحاً، ليرمي بشباكه.. وما بين البحر وحسن قصّة تعزفها الأمواج مع تكسرها على الصخور، فلا تملّ من تكرارها وهي تَذْكره بزنديه الأسمرين، وحدّة نظراته، وطول صبره، إلى أن تمتلئ سلاله، فيرفع الشباك، ليجدف ناحية الشاطئ وقلبه يحمد الله مع كل طرفة عين..

أما قاسم، فعليه أن يقف طويلاً أمام المرآة متفقداً أدق التفاصيل في هندامه، قبل أن يقبّل يد والدته لينال الرضا وينطلق إلى محل الحلاقة الذي يملكه.. كانوا العين الساهرة في زمن الاحتلال، وإذا بدا عليهم أنهم شبّان يعملون لأجل تأمين لقمة العيش، فإنهم لم ينسوا أبداً واجبهم تجاه وطنهم، فخدموا المقاومة الإسلامية بصمتٍ، حتى إذا ما طوى أيار صفحات الاحتلال المرّة، فُكّ قيد السرية لتزغرد الأفواه وترقص الحناجر وهي تلبي نداء الحرية.. قدم الأخوة الثلاثة معلومات قيّمة للمقاومة الإسلامية ساهمت في الحفاظ على الأمن الداخلي للوطن، فإلى جانب عملهم التحقوا بالتعبئة العسكرية لحزب الله، وخضعوا لدورات تأهيلية عديدة، ولكم تمنّوا أن يقابلوا سماحة السيد حسن نصر الله وتقبيل جبينه..

كان كل شي‏ء يسير بشكلٍ طبيعي، هيثم يحملُ طفله ويناغيه، وحسن يحكي لولديه حكايا البحر، وقاسم يتفقد أغراضه الخاصة ويعيد ترتيبها، عندما أعلن عن أسر الجنديين الإسرائيليين. بلحظة تحول المكان إلى حلقة رقصٍ وزغاريد، وعمّت الفرحة قلوب المخلصين، وتنقلتْ أفراحهم من بيتٍ إلى بيت، بانتظار كلمة سماحة السيّد عصر الأربعاء، ليعطي الإشارات الأولى في التهيؤ لأسوأ الاحتمالات.. وأخرجت البنادق من عتمة الصناديق، وشُحذت الهمم أمام حربٍ شعواء أعلنها العدو الإسرائيلي ضد الشعب المقاوم، وارتدى الإخوة الثلاثة ثياب الجهاد، والتحقوا بمراكز عملهم..

ظلّت العائلات في البيوت، بعد أن تقطعت أوصال البلاد. وفي أشرس حرب فرضها العدو على الشعب اللبناني، توالت المجازر الفظيعة بحق النساء والأطفال.. تحولت أرض هيثم إلى صحراء قاحلة مصلوبة تحت شمس حارقة، وغابت شباك حسن عن أفق شاطئ الناقورة، بعد أن حاصرت البوارج الإسرائيلية الحدود البحرية، ووقف قاسم عند مفترق الطريق يترقبُ الرحيل.. كان الخوف على الأهل والأبناء كبيراً، ولكن الواجب كان أكبر من كل شي‏ء، فكانوا يتنقلون من مكان إلى مكان، يحرسون القرية، ويجلبون المؤن والماء للمجاهدين، وينقلون العتاد والذخائر، إلى أن استطاعوا إخراج العائلات من القرية بعد حصار دام حوالي الثلاثة والعشرين يوماً..

لم يبالِ أحد منهم بما يدور في الجو والبحر، بل أدّوا تكليفهم على أكمل وجه، وجلّ همهم هو خدمة المجاهدين، فالمجموعة التي خدم معها هيثم، رأت فيه المجاهد الذي لا يهابُ شيئاً. أما حسن، فالبأس المرتسم في عينيه أرسى المعنويات في قلوب من معه، وكذلك كان قاسم المبادر للقيام بكل شي‏ء، حتى كانت الليلة الأخيرة.. كانت ليلة الثالث عشر من شهر رجب المبارك.. تمنى هيثم لو أن أحداً يصوره الصورة الأخيرة في زي الحرب.. فيما حلق قاسم شعره وهذّب لحيته وتعطّر، وقال لرفيقه: "يجب أن نستشهد بكامل أناقتنا، لأن غداً عيد مولد أمير المؤمنين عليه السلام فيستقبلوننا بمولدٍ في الجنة"..

وفي لحظةٍ واحدة.. سكتّ ضجيجُ هيثم، ورمى حسن شباكه الأخيرة، وتلوّنت جبهة قاسم باللون الأحمر.. رحلوا معاً في القرية التي رأتهم شباناً يسيرون سوياً في أزقتها الضيقة، وقرب البحرِ الذي افتقد أصواتهم..ثلاثة من أربعة عشر ولداً، قدّموا للوطن زهرة العمر.. عادت العائلة، ولم تجد هيثم ينتظرها في ساحة القرية كما ودعهم عند رحيله، ليحتفلوا بالنصر، ولكنهم حملوا نعشه وأخويه، ليرقصوا بهم رقصة النصر والظفر الأخيرة..
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع