موسى حسين صفوان
لم تكد الأسابيع الأولى للحرب المفتوحة على لبنان تمضي، حتى تدفقت الوفود والشخصيات العالمية والعربية، والتي تمثل العشرات من المنظمات والجمعيات الأهلية والشخصيات المستقلة من صحفيين ومفكرين عالميين إلى لبنان، وبالتحديد، إلى ضاحية بيروت الجنوبية، لتشهد على همجية العدوان الإسرائيلي من ناحية، وتعبر عن دهشتها وإعجابها بالمقاومة الإسلامية، سواء في خطوط المواجهة، حيث سطرت أروع البطولات، أو في الساحات الخلفية، حيث أظهرت براعة متميزة في دقة التنظيم والمواكبة الإعلامية، والحضور الفعّال على المستويات كافة، من ناحية أخرى... والحق يقال إن تبني مواقف إيجابية ومتجردة من قبل عشرات بل مئات الشخصيات الغربية والشرقية فيما يتعلق بإنجازات المقاومة وأحقية قضيتها يعتبر إنجازاً فوق العادة، إذا أخذنا بالاعتبار تراكم المواقف السلبية والأحكام المسبقة الجاهزة لدى الذوق العام الغربي المتأثر بخطط مضت عليها عشرات السنين، تهدف إلى خلق مواقف سلبية ليس فقط من القضايا العربية والإسلامية كافة إنما من جملة المشروع الحضاري الإسلامي، بما صار يعرف بظاهرة الرهاب من الحضارة الإسلامية والعربية (إسلاموفوبيا). من هنا، ندرك أهمية أن تصدر عن مئات الشخصيات الغربية والشرقية تصريحات ومواقف ليس فقط تتفهم القضايا العربية والإسلامية بل تشيد بدور ومنجزات المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، وتتضامن معها في مواجهة المشروع الاستكباري التسلطي لأميركا وإسرائيل.
* المؤتمر العالمي لدعم المقاومة:
وكي يتحول الانتصار التاريخي الذي أنجزته المقاومة في لبنان ضد العدوان الإسرائيلي، الذي استهدف الشعب اللبناني في 12 تموز 2006، إلى منطلق لإعادة تزخيم النضال التحرري العربي الشامل ضد المشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني، ولتعزيز التضامن العالمي مع نضال الشعوب العربية ومقاوماتها الوطنية في لبنان وفلسطين والعراق، وفي إطار دعم "حق الشعوب في المقاومة" كان انعقاد "المؤتمر العالمي لدعم المقاومة" في بيروت من 16 تشرين الثاني عام 2006 وحتى 19 منه وذلك تلبية لدعوة من: حزب اللَّه الحزب الشيوعي اللبناني حركة الشعب منبر الوحدة الوطنية، ونادي اللقاء. وقد شارك فيه أكثر من ثلاثماية وخمسين مندوباً من داخل وخارج لبنان، منهم ما يزيد على مائة وخمسين مندوباً غربياً وشرقياً يمثلون عشرات المنظمات السياسية والنقابية والأهلية، وحركات مناهضة العولمة الامبريالية، وتلك المؤيدة لحق الشعوب في مقاومة العدوان الذي تتعرض له، وحقها في الحرية والتقدم...
* خطوات إلى الأمام:
يمكن القول إن نتائج هذا المؤتمر، وما سوف تؤسس له من أعمال لاحقة في مجال دعم المشروع المناهض للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية والتي جاءت على قدر كبير من الأهمية تؤشر إلى عمق الأثر الذي خلفته نضالات المقاومة خلال العقدين الماضيين من تجربتها المناقبية الفريدة، وتبين مقدار التصدع في البنية الاستكبارية ومشاريعها، سواء منها الثقافية أو الإعلامية أو السياسية... فعلى الصعيد السياسي، نجد الإشارة إلى عدوانية مشروع الشرق الأوسط الجديد، ورفض إيديولوجيا صدام الحضارات، والعمل على تطوير العلاقات المتنامية بين قوى التحرر اليسارية والديمقراطية والقومية من جهة، والحركات الإسلامية المقاومة من جهة أخرى... إضافة إلى تطوير رؤية فكرية ثورية تجمع بين أهداف التحرر والتنمية، وتعميم الثقافة المقاومة، ورفض التطبيع والتبعية للتحالف الأمريكي الصهيوني... وعلى الصعيد القانوني، كانت هناك العديد من التوصيات بالغة الأهمية، ولعل أبرزها، الدعوة لإنشاء منتدى عالمي لحقوق الإنسان والشعوب مؤلف من حقوقيين من أنحاء العالم كافة، بالتعاون مع اتحاد المحامين العرب والمنظمة العربية لحقوق الإنسان. أما على المستوى الإعلامي، والذي يلعب دوراً أساسياً في نقل الحدث والصورة، والتبادل الثقافي بين العالمين الإسلامي والغربي، فقد كانت هناك مقترحات كثيرة، أهمها اقتراح إقامة مرصد إعلامي Media watch، يضع لائحة بالصحافيين والكتاب المعادين لمشروع المقاومة، ويراقب كل ما ينشر إعلامياً وينظم الرد عليه، على أن يتم ذلك بمهنية عالية، ودقة منهجية، بما يسمح بالانتقال إلى توسيع دائرة بناء جهاز إعلامي عالمي مناصر لخيار المقاومة ومتصدٍّ للإعلام المعادي...
مواقف متميزة: من الطبيعي أن مئات من الشخصيات العربية والإسلامية تؤيد وتدعم مشروع المقاومة. ولكن تفهُّم بضع عشرات من الشخصيات الغربية، لحقيقة المشروع المقاوم، يعتبر خطوة متقدمة، وأثراً هاماً للمقاومة سوف يخترق عاجلاً أم آجلاً الحواجز الثقافية والإعلامية والنفسية للرأي العام الغربي، ليكسر من حدّة الأحكام المسبقة لدى المجتمعات الغربية بخصوص المجتمعات والحضارات والثقافات الإسلامية، وخاصة منها منطقة الشرق الأوسط.
تقول المحررة الهندية في صحيفة THE ASIAN AGE، سيما مصطفى: إن الإعلام الغربي قام بخلق صورة نمطية بشأن الإرهاب والإسلاميين والشيوعيين... ومن ثم قاموا بحروبهم التي أوجدوا لها التبريرات. وخاطبت الصحفيين العرب قائلة: "الأفكار المسبقة الحالية تتعلق بكم وعليكم الدفاع عن أنفسكم". وفي نفس الإطار، دعا "باب ميما كيليانس" أستاذ جامعي من اليونان إلى شن حملة ضد الأفكار المسبقة أولاً، وقال: إن الحضارة الغربية ليست فريدة من نوعها، وليست حكراً على الأمريكيين. أما "بيزيوس انغاليس" من اليونان أيضاً، فقد حثَّ على تفعيل دور الاعلام المقاوم. وأضاف، أن صحفياً يابانياً أخبره بأن أحداث الشرق الأوسط لا تتعدى الدقيقة والنصف في النشرات الأخبارية!!! وفي خطوة متقدمة، اعتبر "ديمتريس كوستانتا كوبولوس"، أن الرأي العام الغربي أصبح أقل تصديقاً لإعلام بلاده. وهذا ظهر من خلال الاستفتاء الذي أجرته المفوضية الأوروبية، والذي يظهر أن الرأي العام الغربي يعتبر أن إسرائيل هي مصدر تهديد السلام في العالم. أما "ليو غابريال"، من أستراليا فقد اعتبر أن الصحفيين المناهضين لأميركا وإسرائيل نجحوا في التغطية أثناء الحرب وقال: "... استطعنا أن نوازي العاصفة الإعلامية الأمريكية، وما ينقصنا هو مرصد إعلامي يضم صحفيين من أوروبا الشمالية ومن الولايات المتحدة وبلدان أخرى، لخلق شبكة مع الصحفيين المسؤولين عن الأخبار الدولية...".
* قضايا ثقافية وإثنية:
ولا بد من أجل كنس الطريق أمام مثقفي العالم لينفتحوا على ثقافة المقاومة، من إزالة الهواجس التي تعمل دوائر الاستكبار الأمريكية والصهيونية على تضخيمها. وفي هذا المجال قال "جان مارتينوس" الناشط في حركة بريطانية مناهضة للعنصرية ضد المسلمين: "نحن في حركتنا مسؤولون عن حقوق المسلمين في بريطانيا، ونعتبر أن الموجة العنصرية المناهضة للمسلمين كشعب ودين هي غطاء إيديولوجي للحروب الإمبريالية على هذه المنطقة". وفي إشادة بما أنجزه حزب اللَّه على صعيد مواجهة الإمبريالية، هنأت ماري كوك الناشطة في جمعية أميركية تضم إليها العرب والسود إضافة للبيض، حزب اللَّه على النصر الذي حققه، وقالت: "لقد تكلمنا الكثير عن حزب اللَّه هناك، ورفعنا رايته، ووزعنا الملصقات التي تتحدث عن إنجازاته". ومن فرنسا، طالبت "ميشال سيبونييه" التابعة للاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام، والذي يضم 16 جمعية فرنسية يهودية للسلام العادل، بإدخال اليهود في حركة دعم المقاومة. وأشادت بتحالف حزب اللَّه والحزب الشيوعي اللبناني. كما طالبت الإسلام السياسي بتحديد مفهومه من قضية المرأة، لأن هذه القضية ستكون الموضوع الأبرز في المنتدى العالمي المقبل.