ولاء إبراهيم حمود
(بلسان حياة الرهاوي إلى ابن شقيقتها الشهيد علي قرياني لحظة علمت قبل أمه، خبر استشهاده)
من أين أُلملم حباتِ دمعي؟
أي آبار الحزن العميقة أرِدُ، ومن أيَّها أَصدرُ؟ في أي العيون أسكبها؟... وعيناها كعينيّ غارقتان في بحار الحيرة القاسية... تستشرفان لحظات اليقين وحده... وجهك كان يضيء الليل في غربتي.. وأنا في عاصمة الغربة الأولى... أبحث لي... لأطفالي... عن وطنٍ.. كاد لولاك.. يضيع في حقائب الغدر فوق أرصفة المدُن الخالية من أسماء الشهداء.. من يقدر أن يبلسم جراح أمومتي البتولِ لك.. وقد كان فيها قلبي وقلب شقيقتي... أمام رحيل عينيك.. توأمين؟ كيف أعلمها بالخبر؟ كيف أهديها يقيني أنك حيٌّ فينا؟ وعيناها تحاصرني بسؤالٍ أضاع في تزاحم الأسئلة لغته؟ وعيناي تهربان، بجوابٍ شهدت أحرفه كل أوجاع الأمومة.. إذ تنزف في مخاض الولادة الشهيدة كل آهات الجراح؟ ما كنت وحدي، وأنا أخترق بملامحك .... زحام المدينة.. كنت معي تشير إلى ثوب أسود... أمرتني به عيناك.. فحملته وفي فرح زفاف الحور إليك... ارتديته مطرَّزاً ببصمات يديك تطبعان على وجهي فرح الأطفال... إذ وجدوا في دمك لون الوطن. كيف أعلمها بالخبر؟ باللَّه عليك، أخبرني كيف صرت خبراً يُروى، وأنا ما زلت أتعلم أن أتهجى حروف اسمك يا راية الآتين من الشهداء. يا علي... لأن الصمت بات ثقيلاً... وبيني وبينها جدارُ الحزن طويلٌ، لن يفقدَ الخيرُ جناحه مهيضاً، وجهك كعادته آمِرٌ ..... وأنا طوع أمرك يا أمير الشهادة... وليس أمامي الآن خيارٌ أكثر مرارةً... سأخبرها... ولتغفر لي قسوة الخبر شقيقتي... فيداك تحضنان في غربتها غربتي... وتمزجان في بئر أحزانها دمعها ودمعي... هي لحظة واحدة تكفي لنا جميعاً تخشْع فيها ملائكة السماء والأرض، فأمك، أم الشهيد... ستعلم يا علي.. أنك يا وليد قلبي وقلبها... ما رحلتَ.. وما قُتلت ولكنْ رفعك اللَّه شهيداً إليه... فهنيئاً لكَ... هذا الجوار...