مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الوعد الصادق‏: السيد حسام عبد الهادي الموسوي

نسرين إدريس‏

 




شهيد الوعد الصادق‏: السيد حسام عبد الهادي الموسوي (السيد كاظم)

اسم الأم: لطيفة خليل الموسوي‏
محل وتاريخ الولادة: النبي شيت‏12- 7 - 1979
الوضع العائلي: متأهل وله ولدان‏
محل وتاريخ الاستشهاد: دير عامص 28 - 7 - 2006

لم يأخذ السيّد حسام مولوده الجديد بين ذراعيه ليؤذن في أذنيه، لأنه عندما سمع نفيرَ الحرب حكى له بدمه حكاية سواعد الرجال الذين زرعوا في تراب الوطن أجساداً لا تُنبتُ إلا الرجال. كم كان السيّد مشتاقاً لرؤية ملامح طفله!؟ ولكن شوقه للالتحاق بركب جده الإمام الحسين عليه السلام كان أكبر وأسرع من أي انتظار. بعد غياب أكثر من عشرين يوماً في زيارة للجمهورية الإسلامية، شن العدو الإسرائيلي عدوان تموز، فعاد السيد على جناحي السرعة في اليوم التالي ليلتحق مباشرة بالجبهة مع من أعاروا الله جماجمهم، من دون أن يلتقي بأحد من أفراد عائلته، مكتفياً باتصال هاتفي مع والده إطمأن عبره عن الجميع، وأبلغهم أنه في لبنان، وبقيت الهدايا التي جلبها لأهله من إيران في حقيبةٍ معه. وقد طلب إلى رفاقه أن يوصلوها إليهم في حال شهادته.

كان بين الهدايا إسمان محفوران على خشبٍ، الأول لابنته فاطمة، والثاني لجنينه الذي أبصر الحياة بعد استشهاده بخمسة أشهر، وقد اختار له اسم: علي الرضا. كان عمر السيد حسام أربع سنوات إبان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، فسأل والده حينها: "أنتَ تقول إن الله غاضب على الإسرائيليين وإنه لا يحبهم، فلماذا تركهم يدخلون إلى بيروت؟" فلم يسمع جواباً من والده الذي أراد له أن يرى بعينيه الصغيرتين، كيف رفضت بيروت الانكسار، وانتفضت حُرّة أبية، على أيدي الرجال المقاومين الحسينيين الخمينيين.

قضى طفولةً التهمت الحرب أيامها؛ بين برج البراجنة وقريته النبي شيت، حيث تنشقَ عبق الثورة الاسلامية المنتشر أريجها على امتداد الوطن الرازح تحت الاحتلال، فانتفضَ الرفض في شرايين الأباة من الأمّة وأبصر حسام منذ تلك اللحظة طريق غده. في يومٍ من الأيام وأثناء عودتهم من القرية في طريقٍ تقطعه حواجزُ الطائفية، قام السيد ابن الست سنوات بتخبئة سلسلة تحملُ صورة الإمام الخميني قدس سره والسيد موسى الصدر، تحت سترته، وضحكَ كثيراً على المسلحين بعد أن ابتعدت سيارة والده قائلاً: "لقد ضحكنا عليهم، فهم لم يعرفونا لأني خبأت السلسلة". تلك الشخصية التي امتزجت فيها روح النكتة والرصانة في آن؛ والهدوء والصخب الأنيس؛ لفتت الأنظار إليها منذ الطفولة، فهو لا ينفك عن التخطيطِ للمقالب اللطيفة مع رفاقه حيناً، وحيناً آخر تراه يقودهم في اللعب. وهو وإن فقد القدرة على الجلوس من دون حراك، فذلك لم يمحُ عن ملامحه الهدوء والخجل، بل ظل يحافظ دوماً على وتيرة واحدة من الالتزام بحدود الأدب والتهذيب التي جعلتْ منه شخصية فريدة بحق. تميّز السيدُ بسرعة البديهة، ودقة ملاحظة عالية، وذكاء وقّاد واستيعابٍ لافت. فكان التلميذَ المُجتهدَ الذي لا يُتعب نفسه كثيراً بالدرس، ولا يهملُ في أداء واجب يطلب منه، ولا يضع نفسه أبداً في موضع المقصّر أمام أي أحد.. في البيت كان الولد المطيع، وبين الناس الفتى المهذّب المجتهد، وهو في روضة الإيمان كان المتنسكَ الصامت، الباحث عن جذوةٍ في عالمٍ ملي‏ءٍ بالإغراءات التي تشدّ المرء إلى الافتتان وتكبّله بالمادة فتختزل منه الروح والحرية.

في أحد مساجد برج البراجنة، انطلقَ السيد حسام من محراب الصلاة الى درب الثورة.. عمل على بناء نفسه عقائدياً، لتصبح روحه وجسده طوع إرادته الحسينية، ودرج على ذلك حتى قارَبَ سنّ الشباب وهو ينتظرُ بفارغ الصبر اللحظة التي يشهرها من غمد الانتظار. كان يوم تشييع سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي إلى النبي شيت يوماً لا يُنسى، فقد ترسخ ذلك المشهد المهيب في ذاكرة السيد حسام، وشحذ في نفسه عزيمة ظل يذخرها بمواقف الرفض. إنه يُنهي دراسته الثانوية، ويحملُ شهادة نجاحه ليبشّر بها والده، لا ليحظى بهديةٍ نجاحه، بل ليأخذ منه الإذن بالالتحاق بصفوف المقاومة الإسلامية. ولم يستطع أن يداري الدمع اللامع في عينيه عندما شرط عليه الموافقة على ذلك بأن ينهي دراسته الجامعية، فتنحى إلى زاوية ليستعيد رباطة جأشه، ثم عاد ليقف أمامه من جديد ويستأذنه مرّة أخرى مع وعدٍ بأن يُنهي دراسته الجامعية. التحق السيد حسام بالدورة العسكرية الأولى له، وتسجّل في كلية الآداب قسم التاريخ، ليبدأ بصياغة تاريخ حياته الممتزج بتاريخ الوطن، برصاص العديد من العمليات والمهمات العسكرية التي أجبرت العدو الاسرائيلي على الاندحار في العام 2000. وقد تعرّض في إحدى المرات لغارةٍ سببت له رضوضاً قاسية في كتفه، وقد عالج ذلك دون أن يعرف أو يشعر بذلك أحد من أهله. إنه المجاهد السرّي، لا أحد يعرف عنه أي شي‏ء على الرغمِ من إجادته إنشاء علاقات اجتماعية واسعة. وها هو يتخرج من الجامعة ويأتي إلى والده حاملاً شهادة تخرّجه في الموعد المحدد، وافياً بالوعد الذي قطعه، دون أن يحضر في الجامعة إلا في الامتحانات النهائية. تزوج السيد حسام ولم تسعه الدنيا من الفرحة عندما أخذ طفلته فاطمة بين ذراعيه ليدلي في أذنها حبل النجاة بكلمات "الله أكبر"، فكان الأب الحنون كما هو الابن البار.. وكما كان الإنسان المفعم بالمشاعر المرهفة، كان المجاهد المغوار الذي لم يخشَ يوماً لهوات المخاطر، فهو عند اشتداد المحن من خيرة الرجال. وصلت الهدية إلى الأهل، ووصلَ السيد حسام الى حيث أراد دوماً، كان يقوم بواجبه الجهادي بدك المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة، وكلما عادَ من مهمته إلى نقطة انطلاقه، نظر إلى الحقيبة التي حملتْ من عبق عرق جهاده الكثير من الذكريات.

وفي يومٍ لم يعد فيه السيد، عرجت روحه إلى الجنات بعد أن زرع جسده في التراب، وكتب بدمه مع رفاق الدرب التاريخ الحقيقي لجغرافيا لبنان التي لن تتغير طالما أن الإصبع على الزناد. وبقيت وصيته لإخوانه المجاهدين: "اغتنموا فرصة الجهاد الذي فتحه الله لنا للفوز برضوانه تحت راية الحق وهي راية الولاية وراية حزب الله أنتم يا إخواني المجاهدين أساتذة في دروس العزة، فأنتم من حقق النصر لهذه الأمة وأنتم من سيحافظ عليه..".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع