مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإمام زين العابدين عليه السلام في قلوب الناس‏

الشيخ عبد القادر قطيش‏

 



يمكن تقسيم الحب إلى:
الحب في اللَّه، والحبّ في غيره.
وتقسيم المحبوب إلى:
حب اللَّه، حبّ أوليائه، حب الناس، حب النفس، وحب الأولاد. ولا شك أن الشريعة الإسلامية المقدّسة قد جعلت ميزاناً في معنى الحب بأقسامه المذكورة، وميَّزت بين ما ينفع الناس وما لا ينفعهم. وقد أشار القرآن الكريم إلى الروابط التي تجمع الناس، وضرورة الاجتماع في ضوء حبّ اللَّه تعالى وحب من يحبّهم اللَّه ولم يُغفِل الأقسام الأخرى، وأن حبّهم لا بدّ وأن ينبع من حبّه تعالى. ومن اللطيف ما ذكره العلاّمة المجلسي في أن محبّة المقرّبين لأولادهم وأقربائهم وأحبائهم، ليست من جهة الدواعي النفسانية والشهوات البشرية، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حبَّهم وودّهم للَّه، وحبّهم لغير اللَّه إنما يرجع إلى حبّهم له تعالى، ولذا لم يحبّ يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحبَّ يوسف عليه السلام، فهم لجهلهم بسبب حبّه له نسبوه إلى الضلال، وقالوا: نحن عصبة، ونحن أحق بأن نكون محبوبين له، لأننا أقوياء على تمشية ما يريده من أمور الدنيا، ففرط حبّه ليوسف إنما كان لحبّ اللَّه تعالى له، واصطفائه إياه، فمحبوب المحبوب محبوب(1).

* ميزان الحبّ:
والميزان في الشريعة هو الحبّ في اللَّه والبغض في اللَّه تعالى، وهذا الميزان من الثوابت التي أشارت إليها الأحاديث، فقد روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قوله: من أحبّ للَّه، وأبغض للَّه، وأعطى للَّه عزَّ وجلَّ، فهو ممن كمل إيمانه(2).

* حبّ الرسول:
إن الإنسان لا يصل إلى أوج الإيمان إلا عندما يضحي بأقوى العلائق والدوافع فيه، وهو عشقه لذاته في طريق عشقه لذات اللَّه تعالى وخلفائه، فقد جاء في الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وماله، وولده، والناس أجمعين(3).

* محبة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله:
وردت الآثار الكثيرة التي تحدِّث عن حب محمد وآله عليهم السلام، وضرورة الاهتمام بهم. وعند الوقوف عند آية المودّة والتمعُّن فيها، نجد أن من معاني المودّة، الحبّ، ولعلّها من أعظم معانيها أيضاً. وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: من مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان... الحديث.

* الإمام في قلوب الناس:
بعد هذه المقدّمة نقف عند حلقةٍ من السلسلة الذهبية من آل محمد عليهم السلام وهي الإمام علي بن الحسين عليه السلام، وهو المعصوم السادس من حفظة الرسالة والرابع من الأئمة الإثني عشر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، والذي جسَّد الإسلام المحمدي بكل أبعاده، في حياته الفردية والاجتماعية، في ظروف اجتماعية وسياسية عصيبة، فحقّق القيم المثلى في الفكر والخلق والسلوك، وكان نبراساً يشعّ إيماناً وطهراً وبهاءً للعالمين. وقد كان للمسلمين عموماً تعلّق شديد بهذا الإمام عليه السلام، وولاء روحي عميق له، وكانت قواعده الشعبية ممتدّة في كل مكان من العالم الإسلامي، كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الأعظم منه، حينما حجّ هشام بن عبد الملك، فقد روى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن ابن عائشة عن أبيه قال: حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه، وجاء عليّ بن الحسين، فوقف له الناس، وتنحّوا حتى استلمه، قال: ونُصِب لهشام منبر فقعد عليه، فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير؟ فقال: لا أعرفه، فقال الفرزدق: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين، وأنشد قصيدته الشهيرة التي منها قوله:
 

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته‏

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد اللَّه كلّهم‏

هذا التقي النقي الطاهر العلم

يكاد يمسكه عرفان راحته‏

 ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم


إلى آخر القصيدة، فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكّة والمدينة، فبعث إليه الإمام بألف دينار فردّها، وقال: إنما قلت ما قلت غضباً للَّه ولرسوله، فما آخذ عليه أجراً، فقال الإمام عليه السلام: نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما أَعطينا، فقبلها الفرزدق... وكذلك الروايات الواردة في خدمته للحجيج متخفياً حتى ينال ثواب وأجر خدمتهم، كلها شواهد على ما كان يتمتّع به هذا الإمام عليه السلام من مناقب وصفات تفوق الوصف، ونشير إلى بعضها على سبيل الإجمال:

* صفات وميزات:
ولا يخفى أن نشير إلى أن الأئمة عليهم السلام قمّة الكمال في كل شي‏ء، في العلم والحلم والكرم والشجاعة والزهد والتضحية، إلى منتهى قائمة الفضائل والصفات الكريمة، ولكن هناك بعض الأئمة برزت فيهم صفات معيّنة لظروف معيّنة... والإمام زين العابدين حلقة من السلسلة الذهبية التي امتازت بصفات كثيرة ساعدت على حبّ الناس له، وإلا فحبّه من اللَّه وفي اللَّه: ومنها:
الحلم الذي كان يتمّتع به.
الكرم.
تكريمه للفقراء.
إكثار الصدقة على الفقراء.

* تكريمه للفقراء:
كان عليه السلام يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلِّ والحاجة، وكان إذا قصده سائل رحّب به، وقال له: مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة(4). وكان عليه السلام دائم التأكيد على ضرورة عدم ردّ السائل، فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال: صلّيت مع علي بن الحسين الفجر بالمدينة يوم الجمعة، فلّما فرغ من صلاته، نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاةً له تسمّى سكينة، فقال لها: لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه فإن اليوم جمعة، فقال له أبو حمزة: ليس كلّ من يسأل مستحقاً، فقال عليه السلام: أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقّاً فلا نطعمه...

* كثرة صدقاته:
حتى أنه كان يتصدّق بثيابه، فقد كان يلبس الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف تصدّق به أو باعه وتصدّق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع مصر، ويتصدّق بهما إذا جاء الشتاء، وكان يقول: إني لأستحي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللَّه فيه(5). وقد كانت سمة بارزة في حياته عليه السلام كثرة الصدقة على الفقراء ورفع الحرمان عنهم، وكان يحثّ على الصدقة، وقد قال عليه السلام: ما من رجل تصدّق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشي‏ء في تلك الساعة إلا استجيب له...

* الخلاصة:
إن ميزان الحبّ والبغض الذي ذكرناه سابقاً ينطلق من خلال حبّ خلفاء اللَّه تعالى، وكما قال العلاّمة المجلسي: محبوب المحبوب محبوب، وهم وبسبب حبّ اللَّه لهم أحبهم الناس. وقد كانت الصفات الأخرى مساعدة لحبهم، والإمام السجّاد يحمل من الصفات الكثير مما يجعل الناس تهفو إليه وإلى آبائه عليهم السلام، ولكن الصفات التي ذكرت هي الأكثر إشراقاً في حياة الناس... ويقول الإمام الخامنئي دام ظله في معرض الحديث عن الإمام السجَّاد عليه السلام: الإمام السجّاد من الشموس المنيرة التي لا نستطيع أن ننظر إلى شعاعها إلا عن بعد(6).


(1) سفينة البحار، ج‏1، باب الحبّ.
(2) أصول الكافي، ج‏2، باب الحبّ في اللَّه، ح‏1.
(3) تفسير في ظلال القرآن، ذيل الآية 4 من سورة الأحزاب.
(4) كشف الغمة، 288.
(5) مناقب آل أبي طالب، 167.
(6) الكلمات القصار، ص‏85.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع