علياء حرب
السّابع والعشرون من شباط عام 1985، قبل عام وبضعة أيام على وجه التحديد كان اغتيال الشهيد الشيخ راغب حرب رضي الله عنه... إكتشف الصهاينة الغزاة حينها أن الشيخ الشهيد لم يمُتْ... بل بقيَ في الذاكرة والوجدان متربعاً على عرش القلوب التي عشقَتِ الجهاد بفضله... اكتشفوا أن القتل ما كان ليجدي نفعاً مع رجل بمستوى الشيخ راغب رضي الله عنه... فما العمل؟
في ذلك اليوم جاؤوا لاغتيال الرمز والذاكرة... لاغتيال كل ما يتعلق بالشيخ الشهيد... اغتيال المهد الطاهر... حتى المهد كان يخيفهم ويرعبهم! أحاطوا المنزل الذي ترعرع فيه راغب وكبر في أكنافه... البيت الذي عشق راغب جدرانه القديمة... وأثاثه البسيط... وباحته التي لطالما عمرَتْ بوجوده فيها... المنزل الذي آوى المجاهدين الأوائل في لحظات الشدة، أحاطوه بمتفجراتهم اللعينة... لم يكن قد مضى على ولادتي بضعة أيام... ونظراً لمجاورة منزل الشهيد رضي الله عنه منزلنا... ما كان على والدتي إلا أن تخرجني من المنزل بأية وسيلة بعد أن تمكنت من إرسال إخوتي الصغار وبينهم "حسن" الذي كان يكبرني بسبع سنوات تقريباً إلى مكانٍ آمن عند أحد الجيران.. ولم يبق إلا الصغيرة (أنا)... ووجودها في المنزل المجاور يشكل خطراً على حياتها... كانت جدتي برفقة والدتي... حاولتا معاً إقناع الجنود الصهاينة بضرورة الخروج من أجل الصغيرة قبل التفجير... لكن الجندي اللعين منعهما من الإنصراف رغم علمه بالأمر... وتشدق قائلاً: أدخلا المنزل وأغلقا الباب عليكما...
رفضَتْ والدتي أن تذعن لإملاءات ذلك الجندي الخبيث... وتحيّنت الفرصة الملائمة لتلوذ بالفرار حتى تنقذ حياتي... ونجحت بذلك... مضت بي والدتي إلى منزل أحد الجيران الذي كان مكتظاً بالناس الذين جاورَتْ بيوتهم البيت المستهدف... كانت أصوات الملالات الإسرائيلية تبث الرعب في القلوب. فتشمئز منها النفوس الطاهرة... بعدها... كان الإغتيال... فجّر المحتلون منزل الجهاد والفداء... كانت والدتي قد وضعتني على سرير بجوارها... ولحظة وقوع الانفجار إنتشلتني بهلع وضمتني إلى حجرها وكأنها خافَتْ عليّ مكروهاً... فما كان ذلك حتى هوى جزءٌ من سقف الغرفة على السرير الذي كنت أرقدُ عليه منذ برهة! وأنقذتني أمي للمرة الثانية... أحست يومها بالسعادة.. لكنها لم تعُد تشعر بذلك لأنها لم تستطع أن تنقذ "حسن" من غدر الصهاينة في ذات اليوم من عام 1998 حيث استشهد في إحدى العمليات البطولية في بئر كلاب... واحتُجز جسده الطاهر... لكن حزني كان أعظم لأنني علمتُ وبعد استشهاد أخي الحبيب "حسن" أني ما كنت لأحيا إلا تحت أنقاض عمر "حسن" الوردي!