الشيخ يوسف سرور
هل أصبحت مقاومة الاحتلال تهمة!؟ يُرادُ لهذه الأمة أن تقنعَ بواقعها، وتصرف النظر عن التدبّر بحالها، عن البحث في مشاكلها وأزماتها... عن أسباب حقيقية تقف خلف مآزقها المتعددة والمتشعبة. أكثر من ذلك، يراد لهذه الأمة أن ترى مستقبلها مستقبل أجيالها ومصيرها، بعينين مستعارتين. يطلب منها أن تخلع عنها قيمها وتاريخها، تراثها وأعرافها، صفحاتها المضيئة وأسباب قوتها. عندما يصبح تكريس الاحتلال حقاً لا يجوز مناهضته، واغتصاب الأرض واقعاً يجب الإذعان له، وتشريد شعب وتشتيته أمراً مسلماً يمنع رفضه...
عندما يصبح التمسك بالدين تخلفاً، والتزام القيم الحقة رجعية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جناية يعاقب عليها قانون الأمر الواقع... عندها، تصبح مقاومة الاحتلال تهمة، وممارسة هذا الحق جرماً، يدان صاحبه ويلاحق... باسم الشرائع التي يبشر بها الوافدون من خلف البحار. عندما يصبح الإصرار على تحرير الأرض، والتمسك بسيادة الوطن، ورفض الظلم اللاحق بأبناء الأرض نتيجة تهديدهم الدائم، وحجز حرية البعض منهم، واستباحة سماء كل الوطن، ورفض التبعية لأي كان، والوصاية من أي كان، والاستلحاق لأية جهة كانت، عندما يصبح ذلك تبعية للخارج، وتنفيذاً للمخطط الأجنبي... عندما يصبح الانتصار للأخ المظلوم، والدفاع عن حقِّ عودة أصحاب الأرض المغتصبة إلى أرضهم المغتصبة، وتأييد المدافعين عن أنفسهم، ودعم أصحاب الحقّ في حماية حقهم، عندما يصبح كل ذلك خروجاً على الوطنية... عندما يصبح من يدافع عن أرضه وشعبه، ويبذل زهرة العمر في سبيل وطنه وشعبه، ويتخلى عن كل مكاسبه وحقوقه الخاصة، عندما يصبح كل ذلك عبئاً على أهل البلد، بعض أهل البلد... عندها تصبح الشراكة في المواطنية مع هؤلاء أكثر كلفة، وأشدَّ وطأةً على المضحَّين من أجل كلّ أبناء الوطن، وفي سبيل سيادة كل شبرٍ من هذا الوطن. عندها يصبح على الجميع البحث في صيغ الشراكة المتوارثة، والتدبر في المستجد الوافد، الذي يريد أن يبدل هوية الوطن، ويبعثر مرتكزات الوطن، يريد أن يقضي على الاستقلال باسم الاستقلال، وعلى السيادة باسم السيادة، وعلى الثقافة والقيم والمبادئ على مذبح الكرسي والزعامة. في هذا الواقع المبطن، الذي يُظهر فيه بعض الشركاء بعضَ مكنوناتهم، تحت واجهات مخادعة، تتسلل منها دون إرادة من أصحابها أشباح أسيادهم وأطياف مستزلميهم.
في هذا الواقع، ليس مطلوباً من المضحيّن والمتفانين، الناكرين لذاتهم وخصوصياتهم في سبيل كل أبناء جلدتهم، ليس مطلوباً لنا، أن نظلَّ في موقع من يبرر مشروعية تمسكه بحقه، بل بواجبه. هل البحث عن الأعذار في سبيل ذلك هو واجب الأبرار؟ عندما تصبح قيم الحق، الحفاظ على الهوية، التمسك بالمبادئ والقيم، الانتصار للمظلوم، الدفاع عن الحقوق المغتصبة، حسن الجوار مع الأخوة الجيران، رفض التبعية والاستلحاق عندما يصبح كل ذلك موضع تشكيك بالوطنية والمواطنية والسيادة وطلب الحرية والاستقلال من قبل بعض الشركاء، يصبح من الجائز، بل الواجب، وصم هذا البعض بالتبعية، والتخلي عن الحق، والتواطؤ مع الأجنبي على أبناء الأرض وأصحابها. لا قبول بعد اليوم بالبحث عن أسباب التمسك بالحق حق المقاومة وردِّ المعتدي. فهذه هي مبادئ الأمة التي تمثل تاريخها الناصع، أو الناصع من صفحات تاريخها، وقيمها وهويتها، حاضرها ومستقبلها... فلقد أسفر الصبح لذي عينين...