مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشهيد السيّد عادل محمد عكاش (أبو محمد الباقر)

نسرين إدريس

 



اسم الأم: عمشة قانصوه‏
محل وتاريخ الولادة: الدوير 1965
الوضع العائلي: متأهل وله 10 أولاد شهداء
رقم السجل: 27
مكان وتاريخ الاستشهاد: الدوير 13 - 7 – 2006

لم تحرك أصابع الفجر ستائر الديجور.. ولم يتنفس الصبح على وجوههم الملائكية.. فقد غطّى التراب أشلاءهم الممزقة.. واحتضنت أغصان الزيتون بعضاً من بقاياهم..
لم يستيقظ السيد عادل لأداء فريضة الصبح، ليس لنعاس ألقي عليه، أو استئناساً بالراحة، فمن يعرفه يدرك أن الراحة الجسدية هي أبعد ما يكون عنه، بل لأن الله منّ عليه وعلى عائلته بالراحة الأبدية والسكينة الأخروية.

بعد صلاة العشائين الأخيرة التي أمّها في مسجد الدوير ليل الأربعاء 12- 7 - 2006، تحدّث سماحة السيد عادل في خطبته مع المصلّين عن الجهاد والشهادة والصبر، وأوصاهم بأخذ الحيطة والحذر بعد ظهور مؤشرات خطيرة لتفاقم أسلوب الرد الإسرائيلي الهمجي على أسر الجنديين الإسرائيليين.... هكذا كان دأب السيد دوماً، فحديث الجهاد والشهادة لا يفارق مجالسه على مرّ السنين، وإذا ناقش أي موضوع آخر، فلا بدّ من أن يعرج عليهما في الختام مذكراً بأهميتهما لأنه لا كرامة لأمة لا تعرف معنى الجهاد والشهادة.

ليس مستغرباً أن يقضي سماحة السيد وعائلته شهداء، فهو سليل الطينة الطاهرة التي قدّمت أغلى ما عندها عند شاطئ الفرات حيث ولد الإسلام الحسيني من وجوده المحمدي والذي لا يصان إلا بالنجيع. وهو ابن بيتٍ عاملي مقاوم، قدّم ولده السيد شريف شهيداً في طريق الحق عام 1995 في عملية جهادية ضد العدو الصهيوني، وكان السيد عادل قد رأى في منامه أنه أمام كبشين للتضحية، و ما هي إلا أيام ويستشهد السيد شريف وابن خالته الشهيد سعيد أيوب.
السيد عادل الشاب الذي نشأ في قريته الدوير، وجُلّ اهتمامه الدرس والمطالعة، كان يبحر في طيات الكتب التي أوقدت في روحه الشغف لدراسة العلوم الدينية، في الوقت الذي كان يرى بأم عينه الإمام الخميني(قده) الذي "أدخل السرور إلى قلوب الأنبياء بإقامة الجمهورية الإسلامية التي هي القلب الذي يضخ الحياة في جسد الأمة" حسب تعبيره. ومن تلك اليد المحمدية التي قادت الأمة والتي عانق ظلها العمامة السوداء، أدرك السيد عادل طريقه، فحزم حقائبه على عجل إلى الجمهورية الإسلامية ليكمل من قم المقدسة رحلته في الحوزة الدينية العلمية والسياسية.

وكان أخوه السيد شريف من المنضوين تحت راية المقاومة المقدسة، مما أبرق الغبطة في فؤاد السيد عادل ليعد الأيام بلحظاتها حتى تاريخ العودة إلى لبنان، ليكون واحداً من أولئك الرجال الذي بذلوا الغالي والنفيس، على مرّ سنين طويلة، لتصبح المقاومة هي القوة الوحيدة التي هزمت الغدة السرطانية إسرائيل.
لقد ذاب السيد في شخصية الإمام الخميني قدس سره، وأبدى إعجابه الشديد وتأثره بشخصية الشهيدين الأول والثاني، وأنار وفتح عقله لفكر الشهيد مطهري ، وأما السيد عباس الموسوي فقد استوقفته كثيراً طهارة روحه ونبل إنسانيته وطريقة استشهاده، أما سماحة السيد حسن نصر الله فقد رأى فيه ما يراه جميع الناس، القائد الذي تُبذل لأجله الدماء.
من المحرابِ، إلى الحقل، ومن منزل إلى منزل، عاش السيد عادل حياته للناس ولأجل راحتهم. لم يفكر للحظة أن يغادر القرية، فقد كانت رائحة تراب الجنوب المخضلة بأنفاس المجاهدين تسكن مسام روحه. وقد بدأ عمله التبليغي فور عودته إلى لبنان، ولكن دوره لم يقتصر على إقامة الصلاة والوعظ، بل كان يبني الروحية الجهادية في نفوس الناس، ويحثهم على الجهاد، ويشرح لهم ماهية الشهادة، فكانت خطبه الجهادية مدماكاً أساسياً في بناء المجتمع المقاوم في بلدة الدوير والقرى المجاورة، وهو رجل الدين الذي تركت البندقية آثارها على كتفه.

وكما حمل هم صناعة المجتمع المقاوم، سعى في كل سكنات حياته إلى أن تكون أسرته حسينية زينبية، فرأى فيه أولاده الأب القدوة والمثل الأعلى والمجاهد المهاجر إلى الله، عاشوا معه في كل مفاصل الحياة وتشاركوا تفاصيلها، فلم يفترقوا طرفة عين في الدنيا، ولم تفرقهم اغماضة عين في ذلك الفجر الأخير.
ذلك الوقار الهادئ‏ء، والموعظة اللينة، والنظرة الحيية، لا تزال تخطر بين أهالي الدوير تقلّب فيهم المواجع، وتأخذهم حيرة الاستذكار، فمن أين يبدأون؟ من وصاياه التي لا تورث إلا راحة البال، وهو يذكرهم بمحبة بأن يتجنبوا الغيبة والبهتان وأن يغضوا عن محارم الله؟ أم من ابتسامته الهادئة وهي تنشر رحمتها فوق شكوى متألم سرعان ما يستكين بكلماته المطيبة للخاطر وهو يشد أزره بالصبر؟ أم من إيماءة يده المزينة بخاتم لم يفارق إصبعه وسبحة يقلبها بين أصابعه بهدوء جلبهما معه من قم المقدسة، وكان يحرص عليهما لميزة لم يعرفها أحد سواه!!

السيدُ الصادق الأمين، والمجاهد الذي لم يعرف أحد تاريخه الجهادي حرصاً منه على سرية ما يقوم به، كانت الفرحة لا تسعه عند قيام المقاومة الإسلامية بعملية عسكرية قبل اندحار العدو الصهيوني من لبنان، وعند التحرير، وبعد التحرير ظلت تلك السعادة مترافقة مع تأكيد دائم على أن المقاومة والصبر توأمان لا يفترقان.
وإلى جانب قيامه بمهام إمام مسجد الدوير ومسؤولياته الدينية والاجتماعية، وبموازاة عمله في حزب الله، كان سماحة السيد يدرّس في الدورات الثقافية وفي حوزة السيدة الزهراء(ع) في صيدا، التي دمرت في حرب تموز 2006 بالكامل. وللسيد كتابات كان قد أعدها للطباعة، غير أن فوزه المبين كان أسرع، وقد نجت أوراقه من تحت الركام.

قُبيل بدء العدوان بفترة قصيرة، رأت والدة الشهيد في منامها أنها تأكل تيناً في غير موسمه، أما شقيقته فرأت أن شجر الزيتون قد اقتلع من محيط المنزل، وشقيقته الثانية رأت أن جميع أبناء الشهيد مرضى، أما أخوه فرأى المنزل مهدوماً. هذه الأحلام المتزامنة لم يفسرها أحد على أنها أضغاث، بل نبوءات لشي‏ء سيحدث، ولم يخطر ببال أحد ماذا يمكن أن يكون.
وكانت الحرب التي لم تسفر عن وجهها إلا عند أعتاب منزل سماحة السيد. والسيد يرتل بهدوء في غياهب الظلمات "والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين"، فأنجاه الله من الغم، وكذلك ينجي المؤمنين.
لا شك أن سبحته ظلّت بين أصابعه يتناقلها الذكر الهادئ‏ء؛ ولا شك أنه كان يتفقد أولاده بين فترة وأخرى : محمد الباقر، فاطمة الزهراء، زينب الحوراء، علي الرضا، غدير، محمد حسين، سارة، بتول، نور، صفاء، وهو يقلّب مشاهد أقنية التلفاز ليعرف آخر الأخبار.

جرّب والد سماحة السيد الاتصال به للاطمئنان عليه عند صلاة الصبح، فكان المجيب الآلي هو الرد الوحيد. استبد به القلق الذي هدأه باحتمال أن تكون شحنة الهاتف الخلوي فارغة، أو ربما السيد قد أطفأ هاتفه، وضع أكثر من احتمال وقد هيأ نفسه وزوجته على عجل وتوجها إلى منزل ولدهما.
من بعيد وقفا.. لم يكن ثمة منزل.. الناس تحاول جمع الأشلاء الطاهرة.. لم يكن هناك ناجون. السيد وزوجته الحاجة رباب ياسين وأولاده العشرة. لم يبقَ سوى عمامة سوداء وجبة، وشهادة ماجستير للسيد في الفلسفة الإسلامية من جامعة آزاد في إيران.. وذكريات لا يمكن لأحد أن ينساها في بلدة الدوير.

المجزرة الأولى في حرب أرادتها إسرائيل لتغيير وجه الشرق الأوسط. مجزرة مؤلمة ومفجعة، ولكن الشمس قد أشرقت صباح ذاك اليوم، وفي كل يوم من أيام الحرب، كانت تشرق وتمحو الظلام لتؤكد أن الأرض لله يرثها عباده الصالحون.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع