نهى عبد الله
وقف الشابُّ يتأمّل الحدّاد الستينيّ وهو يتصبّب عرقاً من حرارة الحديد المصهور، يطرقه حتّى يأخذ شكل حدوة الفرس. بدا عمله مجهداً.
لمّا أنجز قطعتين، دفعهما إلى الشابّ وطلب مقابلهما تسعة قروش. دفع الشابّ إليه قطعةً من فئة عشرة قروش، وهمّ بالانصراف، فقال الحدّاد: "انتظر ليأتيك مالك"، وأخذ الحدوتين منه سريعاً ليضمن بقاءه، ثمّ اتّجه إلى بقّال في آخر الشارع، وعاد بالقرش المتبقيّ.
أعجبت أمانةُ الحدّاد وبراءة ذمّته الشابَّ، الذي كان ذا مكانة علمية ودينية مرموقة، يعمل على تركيب إكسير يحوّل الحديد والنحاس إلى ذهب. كان سرّه الخاصّ، لا يبوح به لأحد، فقرّر أن يساعد الحدّاد الفقير المنهك، وأخذ حدوة قديمة صدئة من أمام الحدّاد، ضمّها بين يديه، وبسرعةٍ قطر عليها بضع قطرات من إكسيره، وتقدّم من الحدّاد وفتح كفَّيه؛ ليسطع بريق ذهبي خلّابٌ فيهما.
قطّب الحدّاد حاجبيه، وسأله: "هل طلبتُ منك ذهباً؟". أخذ الشابُّ يشرح له أنّها هدية تساعده ليترك عمله المضني ويجد عملاً أسهل، فنهره الحدّاد بلهجة شديدة: "عملي هذا يصنع منّي رجلاً صابراً، قويّاً، صحيح البُنية، مُسبّحاً لله، مستعيذاً من جهنم وعذابها بشرارة نارٍ أحذرها، راضياً بحلاله الذي قسمه لي، بينما ذهبُك المجاني سيورّثني الكسل والخمول، والطمع في ترقّب من سيتصدق عليّ تالياً". وبحسم شديد: "أعد حدوتي حديداً كما كانت، الآن". اعتذر الشابُّ بخجل: "لا أعلم كيف يمكن إعادتها إلى أصلها". فتناولها الحدّاد سريعاً وهو يتمتم ويستغفر الله، وضمّها بين كفَّيه، لتعود بعد لحظات إلى أصلها حديداً، يشوبه الصدأ.
عاد الحدّاد إلى عمله المُنهك، وطلب من الشابِّ أن يأخذ حدوتيه وينصرف، وقال له: "لا تغيِّر أمراً تعجز عن إعادته، وإكسيرُك هو نفسُك حين ترى الله، فيعجز الذهب عن إغرائها ببريقه".
طريق المطار-بيروت
وفاء بزي
2019-11-07 20:30:57
أسلوب قصصي شيق لعرض مفاهيم عقائدية من خلال مصاديقها.