ذكرنا في مقالات سابقة مجموعة من العلامات التي كثُر وتواتر ذكرها، وأبدينا ملاحظاتنا حولها على قاعدة الاستئناس بمعانيها واحتمال وقوعها، لأنَّ الأصل الذي نهتم به هو الظهور. ولعلَّ من المناسب أن نستكمل مشهد الأحداث المحتملة في زمن الظهور، بعرض جملة من الروايات، كإشارات مساعدة للمشهد المستقبلي، مكرِّرين التأكيد على أنها ليست قطعية، ولا يجوز الجزم بها، فالله أعلم بما سيحدث في مستقبل الزمان.
* الفساد:
كانت منطقتنا مسرحاً للنبوات والأحداث الكبيرة عبر التاريخ، وستكون محور الحركة العالمية في زمن ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه. ومن المفيد أن نسرد بعض الروايات لما يحيط بنا في العالم الغربي والشرقي آنذاك، حيث لن تكون منطقتنا معزولة عن أحداث العالم، بل يبدو أن حيوية أحداث منطقتنا ستطغى على ما عداها، وسيكون العالم غارقاً في المشاكل والفساد. وفي وصف الفساد في آخر الزمان الذي يمهد لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورأيت القرآن قد خَلِقَ وأُحدِثَ فيه ووجِّهَ على الأهواء، ورأيتَ الدين قد انكفأ كما ينكفئ الماء، ورأيتَ أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيتَ الشر ظاهراً لا يُنهى عنه ويُعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يُردُّ عليه كذبه وفرِيَّته، ورأيتَ الصغير يستحقر بالكبير، ورأيتَ الأرحام قد تقطعت"...
ثم قال عليه السلام: "ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيت الكافر فرحاً لما يرى في المؤمن، مرحاً لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تُشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزَّ وجل، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قوياً محموداً"....
ثم قال عليه السلام: "ورأيت الحدود قد عُطِّلت وعُمل فيها بالأهواء، ورأيت المساجد قد زُخرفت، ورأيت أصدق الناس المفتري الكذب، ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تُستملح ويبشر بها الناس بعضهم بعضاً، ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله، ورأيت السلطان يذلُّ للكافر المؤمن، ورأيت الخراب قد أُديل من العمران، ورأيت الرجل في معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخف بها، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الأمور، ورأيت الصلاة قد استُخف بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكِّه منذ مَلَكَهُ، ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلةً عليهم، ورأيت أعلام الحق قد دُرِسَتْ، فكن على حذر، واطلب إلى الله عزَّ وجل النجاة..."(1).
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام كما روي عنه: "أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستوراً، والباطل ظاهراً مشهوراً، وذلك إذا كان أولى الناس به أعداهم له، واقترب الوعد الحق، وعظم الإلحاد، وظهر الفساد، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، ونحلَهُم الكفار أسماء الأشرار، فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه، ثم يُتيح الله الفرج لأوليائه، ويُظهر صاحب الأمر على أعدائه"(2).
* الحروب:
تحدثت الروايات عن حروب كثيرة في الأرض، وتناحرٍ بين الروم والترك. ويُقصد بالترك الروس وما يحيط بهم كما يُفهم من سياق الأحاديث المختلفة، فيتحصَّل وجود الاختلاف بين الغرب والروس وما يحيط بهم، وكذلك بين دولٍ عديدة في أماكن مختلفة من العالم. ولعلَّ السبب هو التنافس، أو السيطرة على بعض البلدان، أو غير ذلك. فعن عمار بن ياسر: "... ويتخالف الترك والروم، وتكثر الحروب في الأرض"(3). كما تحضر بعض الجيوش الأجنبية إلى منطقتنا، وتحصل بسببهم حروبٌ عدة. ولعلَّ وجود الكيان الصهيوني كافٍ لأزمات التدخل الأجنبية المتتالية في هذه المنطقة. يكون وضع العرب صعباً، وتكثر بينهم الفتن، لكنَّ الإمام المهدي عجل الله فرجه يقوِّي شوكتهم ويوحدهم في مواجهة أعدائهم، كما يتآلف المسلمون والنصارى معاً في ذلك الزمان، وتحصل المصالحة وقتها مع الروم ومع بني الأصفر.. مما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وآله: "ستٌّ بين يدي الساعة...إلى أن قال: ثم فتنة تقع فيكم، لا يبقى بيتٌ عربي إلاَّ دخلته، ثم تصالحكم الروم"(4)، وفي رواية أخرى: "يا عوف، أعدد ستاً بين يدي الساعة...إلى أن قال: فتنة تقع فيكم، لا يبقى بيت عربي إلاَّ دخلته، ثم التي تليها يصالحكم بنو الأصفر..." (5).
* السيد المسيح عليه السلام:
فإذا ما أضفنا إلى الفساد والحروب بعض ما ورد من حدوثٍ للكوارث الطبيعية، يتبيَّن لنا الوضع القلق والمتوتر الذي يحيط بالعالم الغربي. ثم يظهر المسيح عليه السلام ليصلي خلف الإمام المهدي عجل الله فرجه في القدس، ما يؤدي إلى إقبال الكثيرين من المسيحيين في العالم على الوافد الجديد لينسجموا مع حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه، ما يُعطِّل قدرة السلطات الجائرة على المواجهة بسبب الظروف الشعبية المستجدة، وهكذا لا يكون العالم الغربي عائقاً أمام بسط عدل الإمام عجل الله فرجه على الأرض.
(1) الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص: 36-41.
(2) الشيخ الطبرسي، الاحتجاج ج1، ص373.
(3) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص463.
(4) ابن حماد المروزي، كتاب الفتن، ص26.
(5) الطبراني، المعجم الكبير، ج18 ، ص64.