مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الوعد الصادق: عباس حسن صقر (أبو الفضل)

نسرين إدريس قازان

 




اسم الأم : ليلى صقر
محل وتاريخ الولادة: الهرمل 1/1/1984
الوضع العائلي: عازب
رقم السجل:443
محل وتاريخ الاستشهاد: تلّة مسعود

صقر حلّق فوق القمم الشامخة. حمل من رياح البقاع الأبي عشقه لتراب الجنوب، فكان أن سقطَ فوق الأديمِ منتصراً، ليعود إلى مدينة الهرمل، مسقط رأسه، كما أراد أن يعود: "محمولاً على أكفِّ الرفاق".. هو صاحبُ الكفّين اللذين جرّب والده أن يقبلهما بعد أن هيأ حقيبته للالتحاق بعمله في الجنوب، بعد بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، فسحب عباسُ كفيه من بين كفي والده ليضمه إلى صدره للمرة الأخيرة وهو يشدُّ عليه..

لقد تخلّى عباس عن كل شيء لأجل أن يساعد والده في سبيل تأمين لقمة العيش للعائلة. وكان الأب ينظرُ بإكبار إلى القرار الشجاع والمُؤثِّر لولده البكر، وهو أن يترك دراسته بعد أن أنهى السنة الثانية المهنية في اختصاص التكييف والتبريد ليخوض غمار العمل، واقفاً جانب والده في مواجهة مصاعب الحياة وضنك عيشها، وليؤمن مصاريف دراسة إخوته. في مدينة الهرمل، حيث يرتسم الحرمان على جدران المنازل، المعشوشبة عليها صور العشرات من الشهداء الأبرار الذين هاجروا إلى ربهم، فتحَ عباسُ عينيه أمام مشاهدات التحدي التاريخي لرجال المقاومة الإسلامية، ليس للعدو الإسرائيلي فحسب، بل لـ"الاستكبار العالمي"، الصفة التي أطلقها الإمام الخميني العظيم قدس سره على الدول الساعية لاستعباد الدول الفقيرة وسلب ثرواتها..

وكغيره من الفتية الذين شبّوا في هذه الطريق الطريق التي أضاء للشهداء قناديلها تشرّب عباسُ حبّ الجهاد والمقاومة، وانطلق من متراس العبادة إلى متراس الجهاد.. لم يغبْ عن بال عباس لحظة واحدة ما يتضمنه اسمه من أبعادٍ روحية وإنسانية. فمنذ أن أخذته والدته بين ذراعيها، وسمّته به تيمناً باسم "العباس بن علي عليه السلام "، وكأنها استشعرت غد ولدها الذي وإن غَرُبَت شمسُ عمره باكراً، فإن الفجر ما كان ليستفيق لولا ذلك الشفق الرائع الذي تلوّن من دمه في تلّة مسعود.. منذ ليونة عظمه، كان يرافق والده إلى منزل سماحة الشيخ موسى شرارة، وكبر وهو يكادُ لا يفارق بيت سماحته، فنهل منه تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل، وشرب من عذبِ علمه ما سقى عطشه للمعرفة والحكمة، وبموازاة ذلك التحق بصفوف كشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه ليصير جندياً صغيراً من جنود الإمام المهدي عجل الله فرجه..

كان عباس يقرأ ويحفظ أقوال سماحة السيد القائد علي الخامنئي حفظه الله ويجرّب قدر الإمكان مزاوجة أقواله مع أفعاله، مع مراقبةٍ شديدة للنفس. وإلى جانب تربيته الروحية، التي شذّب فيها نفسه وحماها من الكثير من أمراض الدنيا، التحق عباس بصفوف المجاهدين في المقاومة الإسلامية، وخضع للعديد من الدورات التي تؤهله للمشاركة في المهمات الجهادية. ولَكَم انتظر أن تحين تلك اللحظة، لحظة الجهاد العسكري، الذي يُعتبر في حياة المرء الملتزم المفصل الأساسي في طريق حياته.. كان والده يدعمُ مسيرة ابنه، على الرغم من عدم معرفته إلا بعنوان الالتحاق بالمقاومة، لأنه أدرى الناس بالخطوة الأولى في طريق الجهاد، وهي السرية حتى الاستشهاد..

ومع كثرة انشغالات عباس، ظلّ هو الابن المُضحي والمثابر في سبيل تأمين حياة لائقة لأخوته.. فقد بدأ يتنقلُ من الهرمل إلى بيروت ليعمل في مصلحة التكييف والتبريد. وفي كثير من الأحيان، عندما يكون في الهرمل، فإنه كان يساعد والده في مهنة "جلي البلاط"، ولا يتركه أبداً، ولا يطلبُ شيئاً في المقابل إلا أن ينتبه إخوته لالتزامهم الديني ولدروسهم، وأن يكونوا مُرضين لله ولوالديهم ولبعضهم.. كم كانت تؤنسه كلمة الرضا وهي تخرج من شفتي أمه وكأن نبضَ قلبها يقولها لا لسانها، ونظراتها ترافقُه وهو يمشي بطوله وسمرته، حاملاً بين أصابعه سُبحة تنسابُ كل حبّة من حباتها مع تسبيحة وحمد، غارقة في نظراته السارحة في مدى لا أفق له، كأنها تبحثُ عن مستقرٍّ لها ليس له وجود في هذه الدنيا..

من المسجد الذي واظب على أداء الصلاة فيه، إلا في حالات الضرورة التي كانت تمنعه من ذلك، كان يسافر إلى عتبات صاحب الأمر عجل الله فرجه، يبثُّ شكوى غربته إليه، وينثر لواعج فؤاده شوقاً إليه.. في جيبه دوماً كتاب القرآن الكريم، ودعاء معراج الروح، وعلى لسانه الكلمات الطيبة تنبثقُ لتنشر أريجها في عقول الناس وقلوبهم، وهو يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بعمله قبل لسانه، وبطيبة ومودة، في الزمن الذي تكالب فيه الباطل على الحق، وألبس الحق ألف لباس من الباطل، فصار القدوة والمثل؛ في الإيثار وبر الوالدين، والإيمان العميق واختيار نهج المقاومة.. وأشرقت شمس صباح الثاني عشر من تموز على وجه عباس الذي طار من الفرح وهو يسمع خبر أسر الجنديين الإسرائيليين، وركض إلى المسجد ليبثَّ عبر مكبرات الصوت الأناشيد الثورية، فقد أراد لكل الناس أن تعرف الخبر وأن تشاركه فرحته الكبيرة.. وتقلّب عباس بين كفي الحيرة وهو ينتظر الإذن للالتحاق بالمجاهدين في الجنوب، والحربُ تقضمُ لبنان في كل مكان.. وكان ذلك اليوم، عندما رجع عباس من عمله مع أبيه إلى المنزل. هيأ حقيبته على عجل، وودعَ أهله.. طلب إليه والده أن يقبل له يديه
 

 اللتين ساعدتاه في العمل، فاغرورقت عينا عباس بالدموع، وحضن والده طالباً منه المسامحة والرضا.. وحلّق صقر البقاع فوق ربى الجنوب.. وويلٌ لكل من يقارع صقراً غاضباً اسمه عباس..  في بنت جبيل، دارت رحى المواجهات العنيفة، وتكسرت عنجهية العدو الإسرائيلي عند أقدام المجاهدين..

 أصيب عباس، فخضع لعلاج سريع في المستشفى، ورفض المكوث فيها، حاملاً سلاحه ليشارك في المواجهات اللاحقة، فأُصيب مرّة ثانية إصابة بالغة، عندها قال له الإخوة في المقاومة بأنه يستطيع الانسحاب لأن واجب الجهاد سقط عنه.. فرفض العودة إلا شهيداً.. ومن بنت جبيل إلى تلّة مسعود، حمل عباسُ إصابتيه والتحم هناك وجهاً لوجه مع العدو الصهيوني في محاولة تقدم فاشلة للعدو، وظلَّ يقارعهم حتى النفس الأخير، إلى أن سقط شهيداً.. هوذا عباس.. عاد محملاً على أكف الرفاق.. ولكفي عباس ألف قصة وقصة.. بدأت من كربلاء الإمام الحسين عليه السلام، ولن تنتهي حتى ظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه..
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع