مقابلة مع الدكتور عبد الحليم فضل الله
جومانة عبد الساتر
البطالة المقنعة هي مصطلح يعبر عن مجموعة من العمال الذين يحصلون على أجور أو رواتب دون مقابل من العمل أو الجهد الذي تتطلبه الوظيفة، بحيث لا يؤدي العامل عملاً يتناسب مع ما لديه من قدرات وطاقة للعمل. هذا ما يُعرف بالبطالة المقنعة، التي تتميّز عن البطالة الظاهرة. فما هي أسبابها، وأين أماكن وجودها وانتشارها؟ وما هي الطرق الناجعة للحد منها؟ هذه الأسئلة وغيرها أجابنا عليها نائب رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله.
س - ما الفارق بين البطالة المقنعة والبطالة الظاهرة أو السافرة؟
ج: إن البطالة المقنعة تكون حين لا يظهر من النشاط الاقتصادي للفرد أو وضعه الاجتماعي أنه عاطل عن العمل، بحيث يشعر أنه جزء من القوة العاملة الناشطة فعلياً لكنه لا يدري أنه واقع فيها. أما العاطل عن العمل فهو خارج دورة الانتاج نهائياً لا يتلقى أجراً أو راتباً لقاء العمل. ربما يتلقى أجراً أو مساعدة من الدولة لكنه من حيث الشكل والمضمون خارج النشاط الاقتصادي ويعلم أنه كذلك. أيضاً هناك فارق بين البطالة الاختيارية والبطالة الاجبارية. ففي الحالة الأولى لا يعرف الفرد اقتصادياً بأنه عاطل عن العمل، لكونه يبحث عن عمل ولديه المؤهلات وراغب فيه لكنه لا يجد عملاً. وفي الحالة الثانية يقع اللاجئون في بعض الدول تحت هذا المسمى لكن هناك برامج تقدمها لهم تلك الدول لناحية التأمين ضد البطالة.
* واقع البطالة في الدول العربية:
س- ما هو واقع البطالة المقنعة على الساحة العربية؟
ج: إن البطالة المقنعة من المشكلات الأساسية في العالم العربي الذي يمتلك ثروات طبيعية وموارد بشرية ورأس مال بشرياً أكثر من البطالة السافرة والتي تصل نسبتها إلى 14% أي حوالي 18% من أصل الناشطين إقتصادياً والذين عادة ما يساوون ثلث السكان، لأن هناك جزءاً من السكان هم فوق سن العمل أو تحت سن العمل، وهناك جزء يمارس أنشطة تمنع من العمل مثل طلاب الجامعات وغيرهم، وهناك أيضاً من لا يرغبون في العمل ولا يبحثون عنه أي هم خارج قوة العمل الناشطة، بالإضافة إلى ربات المنازل واللواتي رغم كثرة النقاش حولهن هل هن ناشطات اقتصادياً أم لا، إلا أن التعريف التقليدي يعتبرهن غير ناشطات اقتصادياً. ففي الوقت الذي تصل فيه البطالة الظاهرة في العالم العربي إلى 14% أي أكثر من ضعف المعدل العالمي وأكثر من ضعفي معدل الدول المتقدمة إلا أن المشكلة الأكبر أن البطالة المقنعة تصل إلى 25% تقريباً ما يعني حوالي 40% ممن هم خارج دورة النشاط الاقتصادي الحقيقي يضاف إليهم تقريباً 35% من الناشطين اقتصادياً ممن يعملون في قطاعات غير منظمة مثل الباعة المتجولين الذين إذا ما سحبوا من قوة العمل لما تأثر العمل، وأصحاب المحترَفات الصغيرة غير المنظمة، والتي هي فرص متدنية المستوى.
س- ما هي الأسباب التي تؤدي إلى ظهور البطالة المقنعة في الدول العربية؟
ج: عادة تنتشر البطالة المقنعة في نمطين اقتصاديين: النمط الاقتصادي التقليدي الذي يعتمد بصورة أساسية على الزراعة خاصة المعتمد على اليد العاملة أو غير المرسمل الذي لا يستفيد من الاستثمارات المدعومة بتمويل ودراسات وفيه تكثر البطالة المقنعة بسبب وجود فائض في العمال داخل الأسرة الواحدة أو الممتدة أو داخل المشروع الزراعي الواحد بحيث إن هذه الأرض لا تكفي لإعالة جميع هؤلاء الأفراد، يضاف إلى ذلك أن البطالة تنتشر أيضاً في الاقتصادات الريعية التي تعتمد على الثروات الطبيعية وتحديداً النفطية في دول الخليج حيث هناك ما يسمى بريع المواطنة أي حق كل فرد بأن ينال جزءاً من الثروة القومية الطبيعية مما يقدم حافزاً مضافاً لزيادة الانتاجية ويزيد من مسؤولية الدولة في إعالة الشباب والأفراد من دون أن يقدموا عملاً أو جهداً مقابل هذه الاستفادة. وتنتشر أيضاً في الدول الاشتراكية التي اعتمدت شعار الأكثرية تقودها الدولة وتمارسها الدولة والتي ورغم بقاء القطاع العام فيها أمّمت عدداً كبيراً من القطاعات، وأدى اقتطاعها جزءاً من الموازنة العامة من أجل توظيف نسبة معتد بها من الشباب الجامعيين الوافدين إلى قطاع العمل إلى ازدحام كبير في عدد العاملين في القطاع العام بنسبة تفوق حاجته ومستوى انتاجيته ما أدى إلى زيادة البطالة المقنعة. أما السبب الثالث للبطالة المقنعة فهو انخفاض المستوى العام لمستوى النشاط الاقتصادي والإنكماش أو تراجع النمو وهذا أيضاً يؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد العاطلين عن العمل.
* البطالة المقنعة وسُبُل معالجتها:
س- ما هو تأثير الأزمة المالية العالمية وإمكانية إفرازها للبطالة المقنعة؟
ج: إن ما ستفرزه هذه البطالة هو بطالة هيكلية لها علاقة بالدورات الاقتصادية، فعندما يتجدد النشاط الإقتصادي يصبح هناك زيادة في القوة العاملة وانخفاض في البطالة، بينما عندما يصبح هناك انخفاض دائم في النمو والتنمية هذا يؤدي إلى وجود نسب عالية من العاطلين عن العمل خاصة في صفوف الشباب أو نكون بالتالي أمام خيارين: إما الهجرة أو التحول إلى مجتمع موازٍ يكون مصدراً للعنف والجريمة والتصرفات الهامشية. إزاء ذلك تضطر الدولة إلى امتصاص فائض البطالة أو جزء منها إما عبر توظيف عدد العاملين في القطاع العام أو استحداث بعض الوحدات الانتاجية التي لا تؤدي بالضرورة عملاً مفيداً من الناحية الاقتصادية.
س- ماذا عن سياسة المنظمة الدولية واجراءاتها لتطوير هذا القطاع؟
ج: إن المنظمات الدولية أحسنت رصد ظاهرة البطالة ووصفها بدءاً من تقارير برنامج الأمم المتحدة الانمائي وانتهاء بالبنك الدولي، وهي مروحة من المؤسسات التي تختلف عن بعضها البعض، ونستطيع تصنيف هذه المنظمات الدولية إلى نوعين:
1 - المنظمات الدولية المرتبطة مباشرة بالأمم المتحدة ودورها استشاري فقط ولا تؤثر على سياسات الدول التي تنصحها.
2 - مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهي تأخذ سياساتها من وزارة الخزانة الأميركية وبالتالي تفرض على الدول التي تقدم لها معونات وقروضاً برامج مُلزمة مقابل ذلك.
ولا نبالغ إذا حمّلنا صندوق النقد الدولي مسؤولية مشكلة التنمية والنمو في الدول غير المتقدمة وربط ذلك بين تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة.
س- كيف السبيل لمعالجة لهذه الظاهرة؟
ج: لا بد من مطالبة الدول بأن تحدث شيئاً بديلاً عن توظيف الوافدين الجدد إلى سوق العمل وذلك من خلال ثلاثة أمور، الأول زيادة كفاءة الشباب أو المرشحين لسوق العمل مما يمنحهم فرصة أكبر للحصول على عمل، والثاني يتمثل في الدخول في مشاريع إنتاجية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة مما يزيد فرص العمل، أما الثالث فهو تقديم الحوافز للقطاع الخاص لزيادة قدرته على خلق فرص العمل.
س – برأيكم ما هو السبب الذي يجبر المؤسسات على توظيف هؤلاء؟
ج: إن السياسات الخاطئة هي السبب في إعطاء هؤلاء فرصة عمل يكون أجرها زهيداً، لذا بدلاً من ذلك يمكننا اعتماد نظام التأمين على البطالة، وهذا ما يجعل لدى المرء حافزاً للبحث عن عمل وتطوير مهاراته والتكيف مع احتياجات السوق ويكون لديه مردود اقتصادي وشخصي بدلاً من تحوله إلى عبء غير مرغوب فيه.
س- ما هو نظام التعاقد الوظيفي الذي تتبعه معظم الشركات وهل هناك إمكانية للحد من تفاقم هذه الظاهرة؟
ج: لا بالتأكيد والسبب أن التعاقد الوظيفي محاولة للتحايل على أنظمة العمل المتّبعة في العالم لكنها لا تحل المشكلة لأنه في النهاية هناك حاجة إلى العامل سواء بالعمالة النظامية أو بالتعاقد. ولمعالجة هذا الموضوع لا بد من إيلاء القطاع الزراعي أهمية كبيرة لناحية دعمه ورعايته بالإضافة إلى دعم ورعاية القطاعات الصغيرة والمتوسطة لأنها الأكثر قدرة على امتصاص البطالة من غيرها من المؤسسات الكبرى.
س- إذاً ما هي المعوّقات التي تحول دون تنفيذ هذه البرامج التنموية؟
ج: أعتقد أن السبب الرئيس هو في اعتماد معايير موحدة للتنمية عبر المؤسسات الدولية أو عبر النظر إلى تجارب الغير. لذا لا بد من أخذ هذه الدول العبر من تجاربها الخاصة لتبدأ بوضع برامجها التنموية على أساس إنجازها الخاص. وفي هذا المجال لا ننسى الإشادة بتجربة الجمهورية الإسلامية الرائدة في توظيف متعددي الاختصاصات في مصنع واحد أحياناً.
س - هل تساهم خصخصة القطاعات في الحد من زيادة هذه الظاهرة؟
ج: إذا كان القطاع الخاص سيدير هذا القطاع بطريقة أفضل بكثير مما أدارته الدولة فهذا سيؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي وبالتالي استيعاب اليد العاملة. ففي لبنان والبلاد العربية كل نسبة نمو واحد في المئة تمتص خمسة آلاف إلى ستة آلاف عامل جديد. إذاً أدت الخصخصة إلى زيادة النمو وإلى تحسين مستوى الانتاج فربما تحل مشكلة البطالة. لكن التجربة أثبتت أنه ليس بالضرورة أن القطاع الخاص يدير أفضل من القطاع العام. لأنه عندما تصيب مشكلة الفساد القطاع العام تصبح الدولة عاجزة عن المراقبة.
* آثار البطالة المقنعة:
س - ما هي الآثار السلبية للبطالة المقنعة؟
ج: أولاً: ارسال مؤشرات حول الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلد لأنه عندما تكون هناك بطالة 25 بالمئة لا يمكن رصدها بل توقعها بينما عندما تكون هناك بطالة سافرة 13 بالمئة هذه يمكن رصدها أو إحصاؤها. إذاً ثلث المؤشرات مضلل حول الأداء الاقتصادي والاجتماعي داخل الدولة. الأمر الآخر هو أن البطالة المقنعة تؤدي إلى تحويل كتلة من الناشطين اقتصادياً عالة على الاقتصاد. الأمر الثالث تؤدي البطالة المقنعة إلى تقليل الانتاجية في القطاعات التي تعاني من بطالة مقنعة.