السيد سامي خضرا
قال الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: "إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعني بخدمة توصلني إليك".(1). كيف ستكون حال مؤسسة أو مجتمع يحرص كل فرد منه على اسعاد الآخر؟ والإسعاد والسرور عنوانان كبيران يندرج تحتهما: الزيارة والهدية والخدمة والتبسم والقرض والأنس وكشف الكرب والإشباع والكسوة...
إدخال السرور على المؤمن في الأحاديث:
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "مَنْ سرَّ مؤمناً فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله عزّ وجلّ"(2). وعن أبي عبد الله السلام قال: "مَنْ أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله صلى الله عليه وآله، ومَنْ أدخله على رسول الله صلى الله عليه وآله فقد وصل ذلك إلى الله، وكذلك من أدخل عليه كرباً"(3). وعن أبي جعفر السلام قال: "تبسُّم الرجلِ في وجه أخيه حسنة، وصرفه القذى عنه حسنة، وما عُبد الله بشيء أحبَّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن"(4). وأوحى الله عزّ وجلّ إلى داود النبي السلام: إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي، فقال داود السلام: يا رب، وما تلك الحسنة؟ قال: يُدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة، قال داود: يا رب، حقٌّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك(5).
وعن أبي عبد الله السلام قال: "مَن أدخل على مؤمن سروراً خلق الله من ذلك السرور خَلْقاً فيلقاه عند موته فيقول له: أبشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان، ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره فيقول له مثلَ ذلك، فإذا بُعث تلقاه فيقول له مثلَ ذلك، ثم لا يزال معه عند كل هول يبشره ويقول له مثلَ ذلك، فيقول له: مَنْ أنت يرحمك الله؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان"(6).
قصة إدخال السرور علـى الإمام الصادق السلام
مَنْ منـا لا يـحب إدخـال السـرور إلـى قلـب الإمـام الصادق السلام؟!. ولـو علمنـا يقينـاً أن العمل الفلاني يـرضـي ويسعد الإمام السلام، وكان حياً بيننا، أفلا نقوم بهذا العمل؟! حتماً نقوم بذلك وأكثر. ومن هذه الأعمال: كشف الكربة عن المؤمن، وقضاء القرض عنه، وإشباعه، وكسوته. وإليك هذه القصّة من أولها، وهي: كان رجل من شيعة أهل البيت عليهم السلام ومـن أحبائهم، وكان مسؤولاً عن بعض الشؤون الاقتصادية ومن كبار الملاّكين على ما يبدو في الأهواز وفارس، وكان له دينٌ على بعض العاملين عنده، وهو من الشيعة أيضاً! فذهب الرجل المدين إلى الإمام الصادق السلام وقال له: إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجاً، وهو مؤمن، يدين بطاعتك، وإن رأيتـك أن تكتب لي إليه كتاباً، فكتب أبو عبد الله السلام له: بسم الله الرحمن الرحيم "سُرّ أخاك، يَسُرَّك الله" فلما ورد الكتاب عليه، دخل وهو في مجلسه، فلما خلا ناوله الكتـاب، وقال: هذا كتـاب أبـي عبد الله السلام، فقبّـله ووضعه على يمينه، وقال: ما حاجتك؟ قال: خراج عليّ في ديوانك، فقال له: وكم هو؟ قال: عشرة آلاف، فدعا كاتبه، وأمره بأدائها عنه، ثم أخرجه منها، وأمر أن يثبتها له لقابل وفي رواية الوسائل: أنه أدى عنه عشرين ألف درهم من الخراج، ثم أمر له بمركب وجارية وغلام، وأمر له بتخت ثياب، وبفرش البيت الذي كان فيه، حيث قال له كما في نص: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالساً فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي الذي ناولتني فيه، وارفع اليّ حوائجك. وهو في كل ذلك يقول: هل سَرَرْتُك؟ فيقول الرجل: نعم، جعلت فداك. وخرج الرجل إلى أبي عبد الله السلام وصار إليه، فحدّثه بما جرى معه، وقال له: كأنه قد سرّك ما فعل بي؟ فقال السلام: "إي – والله - لقد سرّ الله ورسوله"(7).
وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين السلام أنه قال لكميل بن زياد: "يا كميل، مُرْ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويُدلجوا في حاجة من هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من عبد أودع قلباً سروراً، إلا وخلق الله من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى كالماء في انحداره، حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل عن حياضها"(8).
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج95، ص225.
(2) وسائل، ج11، ص 569، ح1.
(3) وسائل، ج11، ص 570، ح4.
(4) وسائل، ج11، ص 569، ح2.
(5) وسائل، ج11، ص 570، ح7.
(6) وسائل، ج11، ص 571، ح8.
(7) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج11، ص572.
(8) خطب الإمام علي السلام، ج4، ص65.