حوار: جومانة عبد الساتر
البلدية هي إدارة محلية تقوم بممارسة الصلاحيات التي يخولها إياها القانون. وتتمتع هذه الشبلدية بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري في نطاق هذا القانون. هذا باختصار التعريف الرسمي لمفهوم البلدية. لكن، كيف يجب أن يطوّر هذا المفهوم، لتصبح هذه المؤسسة أداة فاعلة لخدمة الناس لتحقيق التنمية والإعمار والانصهار الاجتماعي والتفاعل الوطني والدولي، في ظل اللامركزية الإدارية الموسعة، والتي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني، والتي تعتبر البلدية أحد أهم مظاهرها؟! هذا السؤال وغيره توجهنا به إلى رئيس بلدية الغبيري الحاج محمد سعيد الخنسا.
* هل تعتبرون أن هذا التعريف الرسمي لمفهوم العمل البلدي كافٍ، وما هو الدور الذي تؤديه البلدية لخدمة الناس؟
ـ البلدية هي إدارة رسمية وشعبية، هي باختصار حكومة مصغرة في منطقة، يستطيع القيمون عليها أن يكونوا في خدمة الناس على مستوى الأداء العملي في مشاريع التنمية، مشاريع الإدارة، مشاريع البيئة والصيانة العامة والبنى التحتية أيضاً. البلدية هي حلقة وسطى ما بين الحكومة وما بين الناس، وكلما أحسنت الأداء كلما قربت المسافات، واستطاعت أن تأخذ من الحكومة لخدمة الناس، وترفع مستوى الناس لتصبح هناك حركة إنمائية.
* ما هي صفات عضو المجلس البلدي؟
ـ يجب توافر اختصاص ما وخبرة اجتماعية أو سياسية طويلة، وأن يكون من أصحاب السيرة الحميدة المحترمين بين الناس والمواطنين، بمعنى أن يكون صاحب كفٍّ بيضاء، والشيء الآخر المهم أضاف هو أن يعطي من وقته لهذا العمل، ومن الصفات أيضاً أن تكون لديه القدرة على تطوير ذاته والتوفيق ما بين العمل الرسمي والشعبي، والأهم من ذلك كله هو أن يشعر أن في هذا العمل بالدرجة الأولى رضا لله، لأن خدمة الناس هي جزء من حركة العبادة. فمثلاًً حين يقال إن قضاء حاجة المؤمن هي أفضل من سبعين حركة طواف حول الكعبة، مع كل قدسية الكعبة، حينها نعلم حجم عملنا.
* تطور البلديات في خدمة المواطن:
* كيف ترى وعي المواطنين لأهمية العمل البلدي وتفاعلهم معه؟
ـ قديماً كانت هناك عدائية ما بين الدولة وما بين المجتمع، وكانت الناس تعتبر دائماً أن الدولة هي في حالة صراع مع الناس. من خلال تجربتي في العمل البلدي على مدى السنوات العشر الماضية، باعتقادي نما عند الناس شعور ايجابي، بأن البلديات تتطور باتجاه خدمتهم (هي صلة الوصل)، وأيضاً وبعد المشاركة الفاعلة لإخواننا في العمل الوزاري، شعرت الناس أنها جزء من حركة الدولة، فبدأ يتطور المفهوم عند الناس، لتصبح هذه الدولة دولة في موقع المسؤولية، وأصبح المواطن يشعر بالمواطنية ويحاول أن يتواصل مع المعنيين في هذه الدولة لأجل تحقيق المطالب، وأصبحت البلديات والوزارات وإخوتنا النواب مرجعيات لتلقي موضوع خدمات المواطنين. ووعي المواطنين لأهمية العمل البلدي مُلفت. وأذكر أنه في المراحل الأولى من منصبي في العمل البلدي، كانت نسبة الجباية بسيطة، لكن مع كل سنة قدمنا فيها خدمات شعرنا أن الجباية أكبر وأكبر، حتى أنه بعد حرب تموز وهي الفترة التي توقعنا أن تكون نسبة الجباية خفيفة فيها لاحظنا العكس، وذلك نتيجة لمشاركة بلديتنا بالخدمات.
* النظام لخدمة وسعادة المواطنين:
* كيف يدفع المجلس البلدي المواطنين لتحمّل مسؤولياتهم، من حيث احترام البيئة وإحساسهم بالمسؤولية؟
ـ يكون ذلك بإشراكهم بالعمل البلدي، فيصبح بذلك المواطن بالفعل سفيراً، وهذا ما حصل معنا مما يجعلنا في خدمتهم بشكل أسرع، بالإضافة إلى ضرورة أن تشكل البلدية فرق طوارئ تتواصل مع الناس عند الضرورة. يجب أن تكون ثقافة المصلحة العامة حاضرة في وجدان كل منا، بمعنى ادراك أن الشارع لنا والأنفاق لنا وجسر المشاة لنا وأيضاً إشارات السير، بمعنى آخر أن النظام هو لخدمتنا ومن أجل سعادتنا. ومسؤولية التثقيف هذه تقع على عاتق البلديات والمبلغين ووسائل الاعلام.
* الخدمات البلدية تشمل الشباب والفتية:
* الشباب هم قادة المستقبل ويشكلون أكثر من خمسين في المئة من مجموع الشعب اللبناني. كرئيس بلدية؛ كيف توطد علاقتك مع هذه الشريحة وتحقق قدر الإمكان من تطلعاتهم؟ ومن خلال أية جهة، خاصة في ظل البطالة والأوضاع الصعبة التي تواجهنا؟
ـ نبدأ من موضوع البطالة. نقوم من خلال البلدية بتأمين عمل للمواطنين من خلال تطوير شبكة اتصالاتنا مع الشركات الموجودة في منطقتنا. وبحمد الله، تم التوفيق بتأمين عمل لهم بدلاً من استقدام الأجانب. حتى بالنسبة للمعوقين، استطعنا أن نؤمن لهم عملاً رغم الصعوبة في هذا المجال. أيضاً هناك حملة واسعة قامت بها البلدية لاستيعاب وتدريب نسبة كبيرة من الطلاب الذين تركوا الدراسة لظروف معينة وتوجهوا إلى العمل، حيث خضعوا لدورات علمية استمرت بين ستة أشهر وتسعة أشهر، حتى وصل العدد إلى 325 شاباً تم تأمين العمل لهم بعد خضوعهم لهذه الدورات. وتعتبر بلدية الغبيري الأولى في المنطقة التي أسست مدرسة على نفقتها الخاصة للتخفيف من أعباء المدارس الرسمية، هذا بالإضافة إلى الدورات الرياضية والشبابية الصيفية والمخيمات.
* إلى أي مدى تعتبر المجالس البلدية مهمة في زرع الروح المدنية لدى الصغار؟ وكيف تساهمون في ترسيخ مفهوم المشاركة لديهم؟
ـ في هذا الإطار لا بد من ذكر بعض الإنجازات التي قامت بها البلدية، وأبرزها: إقامة حديقة طيور متخصصة يرتادها سنوياً آلاف الطلاب، بالإضافة إلى إنشاء حدائق عدة في عدة مناطق، فضلاً عن المشاركة في مخيمات صيفية وبرامج ترفيهية وبيئية، بالإضافة إلى التقديمات التربوية ودعم التحركات الكشفية، كإنشاء المكتبات. هذا، وأخصكم بخبر موافقة المجلس البلدي في الغبيري على إنشاء مكتبة عامة يجري تأمين المكان لها.
* تطوير وتنظيم العمل البلدي:
* ما هي الانجازات التي تعمل البلدية على تحقيقها ضمن المخطط السنوي؟
ـ هناك أعمال روتينية يومية، هي: الصيانة، النظافة، الخدمات العامة، ولكن الأهم من ذلك هو التطوير البلدي الدائم، أي أن لا تبقى البلدية على حالة دائمة وثابتة، ويجب تطوير أجهزتها بشكل دائم من الإدارة إلى الأشغال إلى التجهيزات، إلى الآليات والفرق الفنية، بحيث تكون سريعة في الخدمة وفي العمل. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، تنفيذ المشاريع المحددة في أوقاتها، ومن جهة ثالثة أن تكون قادرة في الأوقات غير الطبيعية على التكيف مع الظروف، وحرب تموز كانت تجربة لنا بحيث استطاعت البلدية بتوفيق من الله أن تقوم بتجربة رائدة في خدمة الناس وفي إيواء المهجرين وتأمين الماء والكهرباء والخدمات العامة والنظافة في ظل القصف والظروف الصعبة التي كانت تمر بها منطقتنا.
* بعض البلديات تكافئ ممولين لمشاريعها، من خلال تسمية شارع باسمهم أو إطلاق اسمهم على الإنترنت للتعريف بهم أو من خلال القيام بزيارات صداقة، هل تحذون هذا الحذو أم لا؟
ـ إن شوارعنا نُطلق عليها أسماء ما ننتمي إليه من أفكار. فمثلاً أسمينا جادة الإمام الخميني قدس سره، ومستديرة تحمل اسم جادة السيد عباس الموسوي رضي الله عنه، وجادة السيد هادي نصرالله، والقدس، وأطلقنا على بعض الشوارع أسماء بعض الشخصيات التي لها خدمات كبيرة في منطقتنا، ونحن بصدد إطلاق اسم جادة الشهيد عماد مغنية.
* كلمة ختامية:
* هل من كلمة أخيرة توجهها عبر مجلة بقية الله للمواطنين وللمسؤولين؟
للإدارات البلديّة أقول إنّ الله سبحانه وتعالى أنعم عليكم بأن تكونوا بموقعيّة القدرة لخدمة الناس، فاستغلّوا هذه الظروف لتنالوا عزّاً وكرامة في الدنيا ورضا في الآخرة. وأقول لكّل البلديات: إنّ لبنان عبر مقاومته رفع رأس لبنان عالياً على مستوى العالم العربي والإسلامي، وعلينا أن نكون إلى جانب المقاومة وعلى جهوزيّة تامّة لأجل خدمة أهلنا ومقاومتنا. وللمواطن: إنّ هذه البلدية هي بلديتكم، ويشرفنا أن نخدمكم بأشفار عيوننا، كما يقول السيّد عباس الموسوي. وإذا قصرنا بشيء، فهو قصور. يمكن أن نتعاون من أجل رفع المستوى الحضاري والإنساني لمناطقنا. والناس التي قدّمت أبناءها شهداء في مشروع بناء لبنان الوطن الكبير، من حقّها علينا أن نقدّم لها كلّ ما نستطيع في مشروعنا الإنمائي والحضاري، وأن تكون البلديات في خدمة أناسها وشعبها. وأنا أشكر مجلتكم مجلة بقية الله التي فعلاً هي محطّة من محطّات الفكر الواعي الهادف، وبقيّة الله خير لكم إن كنتم مؤمنين.