مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع القائد: الكنوز المخفية في مراسم العزاء

إنّ الحوادث التاريخية الكبرى هي في الحقيقة عوامل تقدم تاريخ الشعوب. إنّ حادثة عاشوراء لم تستغرق أكثر من نصف يوم، ولكنها هزت التاريخ ومثلت فيه منعطفاً كبيراً. إنّ بعض الحوادث التاريخية الكبرى التي قد تنطوي على قدر عظيم من العمق والحكمة والمثالية، تترك بصماتها البارزة على حياة الشعوب لمدة طويلة، ربما بلغت سنوات أو بلغت قروناً عديدة. إن المحرّم كان واحداً من تلك المقاطع التاريخية المهمة.

لقد أبقى الشيعة بكل كيانهم على عاشوراء حية نابضة، وظلت ذكرى الإمام الحسين عليه السلام واسمه وتربته وعزاؤه قيماً خالدة رفيعة محفورة في ذاكرة المؤمنين وأتباع أهل البيت خلال قرون طويلة، وإن كانوا قد ضحوا في سبيل ذلك بالكثير.


* الدموع لأجل القيم المعنوية الإلهية
يقول البعض: لماذا تنشرون العزاء والمآتم والبكاء والدموع بين الناس؟ إنّ هذه المآتم المقامة والدموع الجارية ليست لمجرد الحزن والبكاء، بل إنها للقيم.  إنّ الذي يختفي خلف كل هذه المآتم ولطم الرؤوس والصدور وذرف الدموع هو أعزّ وأكرم النفائس التي يمكن أن تحتوي عليها كنوز الإنسانية. إنها القيم المعنوية الإلهية. إنهم يريدون الحفاظ على هذه المثل السامية المتبلورة في الحسين بن علي عليهما السلام. إنّ الأمة الإسلامية ستتخطى كل العقبات والتحديات إذا حافظت على اسم الحسين وعظّمت شعيرة ذكراه وجعلته أسوة لها وقدوة. ولهذا السبب فقد جعل شعبنا ومسؤولونا وقادتنا وإمامنا الخميني الكبير العزاء محوراً وأساساً للتحرك في قيام الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية من الألف إلى الياء. إنّ مجالس العزاء تعبر عن بعدين، أحدهما مثالي، والآخر حقيقي، فهي تؤلف ما بين القلوب من ناحية، وتسلط الضوء على المعارف من ناحية أخرى.

إنّ على الخطباء والوعاظ والمداحين والمنشدين جميعاً أن يعلموا بأن هذه الحقيقة من أعزّ ما لدينا، فلا يجدر التلاعب بها، ولا يحق لهم العبث بحقائق واقعة عاشوراء.

* لا لتشويه مراسم العزاء
إنّ اختلاق الإضافات، ومزجها بالخرافات، وممارسة الأفعال غير المعقولة باسم العزاء وإحياء ذكرى عاشوراء كلها لا تخدم قضية الحسين ولا تعبّر عن الولاء للإمام الحسين عليه السلام. لقد رأينا رأياً ذات يوم فيما يتعلق بتظاهرات التطبير، فصاح بعضهم من بعيد وهم يقولون: إنه عزاء الإمام الحسين، فلا تتعرضوا لإقامة العزاء على الإمام الحسين! إنّ هذا ليس اعتراضاً على العزاء، بل إنه اعتراض على تشويه العزاء، فلا ينبغي تشويه مراسم العزاء الحسيني.

إنّ المنبر الحسيني، والمجلس الحسيني منطلق لبيان الحقائق الدينية، أي الحقائق الحسينية. وفي هذا الاتجاه، ونحو هذا الهدف، لا بد وأن تكون انطلاقة القصائد والمواكب والمدائح والمراثي. لعلكم تتذكرون أن حلقات ومواكب الضرب على الصدور انطلقت من مدن مثل يزد وشيراز ومناطق أخرى في شهر محرم عام 1357هـ.ش(1)، ثم اتسعت رقعتها لتشمل كافة أنحاء إيران، فلقد كانوا يضربون الصدور وهم يعبّرون عن قضايا العصر في مراثيهم مع الربط بينها وبين أحداث عاشوراء، وذلك هو الصحيح. لقد وقف المرحوم الشهيد المطهري في حسينية الإرشاد قبل اندلاع الثورة بأعوام، وهو يصيح قائلاً بما معناه: والله إن (شمر) هذا العصر هو فلان، وكان يأتي باسم رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك. وهذا هو واقع الأمر.

إننا نلعن شمراً حتى نقتلع جذور من يقتفي أثره ويسير على نهجه، كما أننا نلعن يزيد وعبيد الله بن زياد لأننا نعارض حاكمية الطاغوت، وحاكمية يزيد، وحاكمية الفساد والانحلال، والتسلط على المؤمنين ظلماً وجوراً في هذا العالم. لقد ثار الحسين بن علي ليمرّغ في التراب أنوف حكام الجور والسلاطين الذين لا يقيمون وزناً للقيم الإسلامية والإنسانية والإلهية، ولقد نجح في ذلك أيّما نجاح. إنّ مجالسنا، والمجالس الحسينية، هي استمرار لنهضة الإمام الحسين، لأنها تجابه الظلم، وتقارع سلطات الاستبداد، وتصرخ في وجه من يمثلون شمراً ويزيد وابن زياد في هذا العصر.

* النهضة الحسينية مدرسة الأجيال
إنّ عالمنا اليوم مليء بالظلم والجور. وإنكم تتابعون ما يحدث في فلسطين، والعراق، والبلدان الأخرى، وما يرتكبونه من جرائم بحق شعوب العالم، وكيف يأكلون أموال الفقراء، وينهبون ثروات الأمم والشعوب. إنّ الأبعاد العظيمة لنهضة الحسين بن علي عليهما السلام تتسع لتشمل كافة هذه الميادين المترامية. لقد علّم الإمام الحسين أحرار العالم درساً للأجيال جميعاً، وإن ذلك لا يقتصر على الشيعة أو المسلمين وحدهم. لقد قال زعيم نهضة التحرير في الهند منذ نحو سبعين عاماً إنه تعلم من الحسين بن علي، مع أنه لم يكن مسلماً أصلاً، بل كان هندوسياً. ونفس هذا الأمر حدث بين المسلمين. إنّ هذه هي نهضة الإمام الحسين عليه السلام. وإنكم تمتلكون كنزاً يحتوي على جواهر نفيسة بوسعه أن يدرّ الخير العميم على كافة أبناء البشرية. إنّ عزاء الإمام الحسين لا بد وأن يهدف إلى نشر البيان والتبيين والوعي وتعزيز الإيمان وتقوية روح التدين والشجاعة والغيرة على الدين والقضاء على حالة اللامبالاة وفقدان الوعي والنشاط التي يعاني منها البعض. فهذا هو معنى النهضة الحسينية وإقامة مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام في عصرنا هذا، وهي ظاهرة حية، وستبقى حية ونابضة مدى الزمان. إنّ البعد العاطفي لهذه المراسيم يترك أثره على مشاعر وأحاسيس الجماهير، وأما البعد المعنوي العميق فإنه يرسخ الوعي لدى أرباب الفكر والبصيرة. إنّ ثمة قولاً لأمير المؤمنين عليه السلام درجتُ على تكراره فيما مضى، وهو (ألا لا يحمل هذا العَلَم إلا أهل البصر والصبر). وهذا العَلَم هو عَلَم الإنسانية ولواء الإسلام والتوحيد، فلا يحمله إلا أهله، وإن الإمام الحسين عليه السلام هو مظهر البصر والصبر. لقد سار أتباع الإمام الحسين على ذلك الدرب، ثم قاموا بنهضة عظيمة عندما وجدوا بينهم قائداً مقتدراً، وذلك بعد قرون طويلة من الثورة الحسينية. إنّ الثورة الإسلامية حدث عظيم وتاريخ مجيد. ولأننا ما زلنا نعيش أحداث هذه الثورة، فإن كافة أبعادها العظيمة لم تتضح أمامنا بعد، ولسوف تكون أشد وضوحاً أمام الأجيال القادمة. أسأل الله تعالى أن يوفقكم جميعاً، وأن يدخل السرور على أرواح شهدائنا الأبرار، وأن يحشر روح إمامنا الراحل مع أوليائه الطاهرين، وأن يشملكم بالخير والأجر والعناية، وأن يُرضي عنا قلب وليّ العصر والزمان الإمام المهدي أرواحنا فداه.
 


(1)عام 1987م.
(*) النص مقتطف من خطبة ألقاها القائد في 9/1/2008 خلال ذكرى التظاهرات التي عمّت مُدن إيران ضد النظام البهلوي بسبب تهجّمه على الإمام الخميني.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع