فيصل الأشمر
كان الشعر الكربلائي وما يزال عالي النبرة في أذن البشرية، دافعاً الناس - ولا سيما المظلومين منهم - إلى الثورة على الظالمين والوقوف في وجه الطغاة، مهما كان ظلمهم وطغيانهم كبيراً، لأن الحق أعظم وأكبر. ولأن الحسين عليه السلام هو حامل إرث النبوة والإمامة، ولأنه رمز وعنوان الحق والعدالة، ورمز وعنوان الثورة على الظالم، فقد بكاه الشعراء وما زالوا يبكونه، ولا يمكن أن نتصور أن يأتي زمان لا يبكي الشعراء فيه الحسين عليه السلام. وها هو الشريف الرضي يذكر ما أصاب الحسين عليه السلام في قصيدة له، فيقول:
يَوْمُ عاشورَاءَ الذي لا أعَانَ الـ |
صحبُ فيه ولا أجار القبيـلُ(1) |
يا ابـن بنت الرسـول ضيّعتِ |
العهدَ رجالٌ، والحافظون قليل |
ما أطَاعُوا النبيّ فيكَ ، وَقَـدْ مَا |
لَتْ بِأرْمَاحِهمْ إلَيكَ الذُّحولُ(2) |
وَ أحَالُوا عَلى المَقَادِيرِ في حَـرْ |
بك لو أن عـذرهم مقبـول |
يا حُسَامـاً فَلّتْ مَضَارِبُهُ الهَـا |
مَ(3)، وَقَدْ فَلّهُ الحُسَامُ الصّقِيلُ |
يا جَواداً أَدمى الجَوادَ مِنَ الطَعـ |
نِ وَوَلّـى وَ نَحـرُهُ مَبلـولُ |
يا غريب الديـار صبري غريب |
وَقَتيلَ الأعـداءِ، نَوْمـي قَتيلُ |
بي نِزَاعٌ يَطغَـى إلَيـكَ وَشَوْقٌ |
و غـرام و زفـرة و عـويل |
لَيتَ أنّي ضَجيعُ قَبـرِك ، أوْ أ |
نّ ثـرَاهُ بِمَـدْمَعي مَطْلُـولُ(4) |
ويصف ابن معصوم المدني يوم العاشر من المحرم، يوم عاشوراء، وما وقع فيه فيقول:
يومٌ به اهتزَّ عرشُ اللَّهِ من حَـزَنٍ |
تبكي عليه السماوات العلـى حزناً |
يومٌ به كُسفت شمسُ العُلى أسفاً |
يا حسرة ً لِغريب الـدارِ مُضطَهدٍ |
يومٌ بـه ذهبت أبنـاءُ فاطمـةٍ |
هذا الحسين قتيلاً رهنَ مصرعـه |
فأيّ دمع عليـه غيـر منهمـلٍ |
علـى دمٍ لرسول الله مَهـدورِ |
و لوعة ٍ لا تـزال الدهرَ مُسعِرةً |
و أصبح الدين فيه كاسف النور |
يا وقعة الطف خلّدت القلوب أسىً |
للبين مـا بين مقتـول ومأسور |
يا وقعة الطف أبكيت الجفون دماً |
و أي قلبٍ عليـه غير مفطـور |
يا وقعة الطفكم أضرمتِ نار جوىً |
بين الجوانح ناراً ذات تسعيـرِ |
لا كان يومـك في الأيـام إن له |
كأنَّمـا كلُّ يـومٍ يـوم عاشورِ |
مهما نسيت فلا أنسى الحسين لقىً(7) |
و رُعتِ كـل فؤادٍ غير مذعـور |
في كل قلبٍ من الأحزان مسجـور(5) |
والأرضُ تكسُوه ثوبـاً غيـرَ مزرورِ |
في كل قلب لجرحـاً غيـر مسبور(6) |
يلقـى العِـدى بعَديدِ منـه مَكثُورِ |
تحنو عليـه ربى الآكـام و القـور(8) |
يبكـي لـه كل تهليـل و تكبيـر |
ويدعونا ابن معتوق إلى ملاقاة شهر محرم بما يناسبه من إحياء شعائر الحزن على مصاب الإمام الحسين عليه السلام، واصفاً ما جرى عليه عليه السلام في كربلاء، فيقول:
هَـلَّ الْمُـحَـرَّمُ فَاسْتَهِـلَّ مُكَبِّـرَا |
وَانْثُرْ بِهِ دُرَرَ الدُّمُـوعِ عَلَى الثَّرَى |
وانظـر بغـرتـهِ الهـلال إذا انجلى |
مسترجعـاً متفجعـاً متفـكـرا |
شهر بحكـمِ الـدهرِ فيـهِ تحكمتْ |
شرّ الكلاب السود في أسْدِ الشرى(9) |
للَّـه أيُّ مـصيبـة ٍ نـزلتْ بـهِ |
بَكَتِ السَّمَاءُ لَهَا نَجِيعاً أَحْمَـرَا |
خَطْبٌ وَهى(10) الإسْلاَمُ عِنْد وُقُوعِه |
لبستْ عليـهِ حدادها أمُّ القـرى |
قتـل الحسيـنُ فيـا لها من نكبـةٍ |
أضحـى لها الإسلامُ منهدمَ الذرا |
حـزني عليـه دائـمٌ لا ينقضـي |
و َتَصَبُّرِي مِنِّـي عَلَـيَّ تَعـَذَّرَا |
ويصور ابن المقرب العيوني حزنه على مأساة كربلاء قائلاً:
وَإِنَّ حُـزني كَقَتيـلِ كَربَـلا |
لَيسَ عَلى طُولِ البِلى بِمُقلِعِ |
إِذا ذَكَـرتُ يَـومَهُ تَحَدَّرَت |
مَدامِعـي لِأَربَـعٍ في أَربَـعِ |
لِلّهِ يَومـاً بِالطُفوفِ لَـم يَدَع |
لِمُسلِمٍ في العَيشِ مِن مُستَمتَعِ |
يَومٌ بِهِ اِعتَلَّت مَصابيحُ الدُجى |
بِعارِضٍ مِنَ الضَـلالِ مُفزِعِ |
يَومٌ بِـهِ لَم يَبقَ مِـن دَعامَـةٍ |
تَشُدُّ رُكنَ الدِينِ لَم تُضَعضَعِ |
يَـومٌ بِـهِ لَـم تَبقَ قَطُّ رايَةٌ |
تَهـدي إِلى ضَلالَةٍ لَـم تُرفَعِ |
يَـومٌ بِهِ لَـم تَبقَ مِن وَسيلَةٍ |
حقّاً لِآلِ المُصطَفى لَـم تُقطَعِ |
يا لَهفَ نَفسي لِبنـاتِ أَحمَدٍ |
بَينَ عِطـاشٍ في الفَلا وَ جُوَّعِ |
يُسَقنَ في ذُلِّ السِّبـا حَواسِراً |
إِلى الشآمِ فَـوقَ حَسرِ أَضلُعِ |
يَقدُمُهُـنَّ الرَأسُ في قَناتِـهِ |
هَدِيَّةً إِلى الدَعِيِّ(11) اِبنِ الدَعِي |
فَلَعنَةُ الرَحمَنُ تَغشى عُصبَةً |
غَزَتهُمُ وَ عُصبَـةً لَـم تدفَـعِ |
ويذكر محمد علي الأعسم، مصاب أبي عبد الله عليه السلام، فيقول:
لست أنسى الحسين بالطف ملقى |
واحسيناه إذ قضى وهـو ممنـو |
لست أنسـاه وهـو فيهم وحيد |
واشهيداه لست أنسـاه يدعـو |
منعـوه المـاء الزلال وحامـوا |
وا إمامـاه مـا لـه من نصير |
واحسيناه إذ أحـاط الأعـادي |
وا إمامـاه إذ يـودع أهليـه |
عافر(12) الخد ناحر النحر دامي |
ع من الماء حوله وهو طامـي(15) |
قد أحاطت به علوج(13) اللئام |
ربِّ فاحكم بيني و بين اللئـام |
دونـه بـالمهنـد الصمصـام(19) |
وا إمامـاه مـا لـه من محامي |
فيـه، كـلٌّ مجـردٌ للحسـام |
و يـومـي بطرفـه للخيـام |
وأخيراً نستعرض بعض ما قاله باقر حيدر الذي يصف عظمَ المصيبة التي حلت باستشهاد الحسين عليه السلام قائلاً:
إن لم أكـن باكياً يوم الحسين دمـا |
لا والهوى لم أكن أرعى له ذممـا |
إن كنتَ مرتضعـاً من حب فاطمة |
لا تترك الدمع من أحشاك منفطما |
فقـد جرت لحسين دمعهـا بـدم |
فجارِها في البكا وابكِ الحسين دما |
كيف العزاء لرزء(16) لم يدع حجراً |
إلا رآه و ما قـد فاض و انسجما |
يا وقعة أبدلت منها النهـار دجـىً |
ولم يضئ كـوكب في ليله سئما |
ونكبـة زلزلت في الأرض ساكنهـا |
وأوقفت في السما أفلاكها عظمـا |
تُنسى الحوادث في الدنيـا إذا قدمت |
وحادث الطف لا يُنسى و إن قدما |
يا ابن النبـي الذي في نـور طلعته |
زان الهدى وأزال الظلم والظلمـا |
قـد جـل رزؤك حتى ليس يعظم لي |
في الدهر من بعده رزء و إن عظما |
قـد كنت أعذر من يبكي فصرت به |
أبكي وأعذر من يبكي ومن لطما |
(1) القبيل: الجماعة.
(2) الذحول: جمع الذحل أي الثأر.
(3) الهام: جمع هامة: أي الرأس أو سيد القوم أو الجماعة من الناس.
(4) مطلول: مندّى.
(5) مسجور: مشتعل.
(6) سبر الجرحَ: قاس عمقه.
(7) لقى: ملقى.
(8) القور: التلال.
(9) أسد الشرى: أي أشداء شجعان.
(10) وهى: ضعفَ.
(11) الدعي: المتهم في نسبه.
(12) عفّر الخد: مرغه في التراب.
(13) العلج: الرجل الغليظ القاسي.
(14) الماء الطامي: المرتفع.
(15) السيف الصمصام: المتين الذي لا ينثني.
(16) الرزء: المصيبة.