إعداد: حوراء مرعي
ما بين هذه السطور، أقوال وشهادات لمن كانوا أعلاماً في العلم والإنسانية، وقفوا على نافذة من عالم علي عليه السلام فما استطاعت أناملهم إلا أن تخط إعجاباً وانبهاراً بما تراءى لهم من شخصيته الإلهية.
* مما قيل في ولادته:
تبدأ الحيرة في سر عظمة الإمام علي عليه السلام منذ ولادته المباركة، فيعبّر عنها القس الإنكليانكي "سيمون أوكلي" قائلاً: "شيء يستحق أن نقف عنده ونتساءل عن حكمته، لقد ولدته أمه في نفس البيت المقدَّس في مكة... والذي يأمر الله أن يُطهَّر ويُعبد فيه خالصاً، لم يحدث هذا لأي إنسان ولا حتى بأي دين سماوي".
* كيف عرَّفوه وعرفوه؟
ويجهد الكتّاب والفلاسفة والمؤرخون للكشف عن بعض ما عرَفوه ليعرّفوا عنه فيقول ابن أبي الحديد: "وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنَّه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة لإطفاء نوره والتحريف عليه ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم، ومَنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يُسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسمواً(1)...
* من معجزات النبي صلى الله عليه وآله:
لكن هذه العظمة تتجاوز حدَّ العقل والقدرة على الإلمام بها لتسمو إلى درجة المعجزة، فيقول محمد بن إسحاق الواقدي: "إن علياً عليه السلام كان من معجزات النبي صلى الله عليه وآله كالعصا لموسى وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام "(2) ويرى ميخائيل نعيمة: "إنه ليستحيل على أي مؤرخ أو كاتب، مهما بلغ من الفطنة والعبقريَّة، أن يأتيك حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي عليه السلام ، ولحقبة حافلة بالأحداث الجسام كالحقبة التي عاشها. فالذي فكّره وتأمّله، وقاله وعمله ذلك العملاق العربي بينه وبين نفسه وربّه لممَّا لم تسمعه أذن ولم تبصره عين، وهو أكثر بكثير ممَّا عمله بيده وأذاعه بلسانه وقلمه"(3). ويستكمل جبران خليل جبران رسم الصورة الإعجازية التي عرف بها الإمام علي عليه السلام فيقول: "إنَّ علي بن أبي طالب عليه السلام كلام الله الناطق... نسبته إلى من عداه من الأصحاب شبه المعقول إلى المحسوس، وذاته من شدة الاقتراب ممسوس في ذات الله"(4). وتأتي الكلمة الفصل للخليل بن أحمد الفراهيدي: "احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل على أنَّه إمام الكل"(5).
* بلاغة الإمام علي عليه السلام :
كان الإمام علي عليه السلام للبلاغة سيدها وأميرها، فكما قال عامر الشعبي "تكلم أمير المؤمنين عليه السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً فقأن عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب. فأما اللاتي في المناجاة فقال: (إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً. أنت كما أحب، فاجعلني كما تحب)، وأما اللاتي في الحكمة، فقال: (قيمة كل امرئ ما يحسنهُ، ما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوء تحت لسانه)، واللاتي في الأدب فقال: (امنن على من شئت تكن أميره، واستغنِ عمَّن شئت تكن نظيره واحتج إلى من شئت تكن أسيره)(6). باختصار، وكما عبر الدكتور مهدي محبوبة، "أحاط علي بالمعرفة دون أن تحيط به، وأدركها دون أن تدركه"(7). وتبقى شهادة كل من كتبوا ومن قالوا تضل طريقها في الوصول إلى حقيقة تلك الشخصية العظيمة، في هذا المجال قال النظّام وهو أحد رؤوس المعتزلة ـ: "علي بن أبي طالب عليه السلام محنة للمتكلم، إن وفى حقه غلا، وإن بخسه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن، حادة اللسان، صعبة الترقي إلا على الحاذق الذكي"(8).
ختاماً، ومهما قيل في الإمام وهو الكثير الكثير، لا نستطيع مع هذا النزر القليل جداً الذي ذكر إلا أن نختم بما قال الإمام الخميني قدس سره: "ما فهمه العظماء والعرفاء والفلاسفة بكل ما لديهم من فضائل وعلوم سامية، إنما فهموه من خلال وجودهم ومرآة أنفسهم المحدودة، وعلي غير ذلك"(9).
(1) شرح نهج البلاغة، ج1، ص29.
(2) الفهرست لابن النديم، ص111.
(3) مقدمة كتاب علي صوت العدالة الإنسانية، ص10.
(4) حاشية الشفاء، ص566، باب الخليفة والإمام.
(5) عبقرية الإمام، ص138.
(6) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج1، ص16.
(7) عبقرية الإمام، ص138.
(8) الجاحظ، سفينة البحار 1/146 مادة جحظ.
(9) نبراس السياسة ومنهل الشريعة، للإمام الخميني، ص170.