مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الحرب الناعمة: الألعاب الإلكترونيّة: براءةٌ قاتلةٌ

د. علي الحاج حسن
مركز الحرب الناعمة للدراسات



برزت الألعاب الإلكترونيّة إلى الواجهة في مرحلة الثمانينيّات، واحتلّت مكاناً واسعاً على مستوى الاهتمام، سواء عند الصغار أو الكبار، وقد أصبحت مدار بحثٍ وجدالٍ كبيرين بالنسبة إلى أهميّتها ودورها التربويّ والتعليميّ، وتأثيرها وفوائدها، ومن ثمّ مضارّها.

•انتشارها
انتشرت هذه الألعاب ولاقت إقبالاً واسعاً لأسبابٍ، من أبرزها: ما تشتمل عليه من جاذبيّة في الأدوات، والمفاهيم، والمضامين الخياليّة التي تأخذ بالإنسان إلى عالمٍ بعيدٍ عن الواقع، ولأنّها تتطلّب التركيز والدقّة، ولأنّها تحاكي الطفل في شخصيّته وسلوكه الطفوليّ، وتسمح له بأن يكون المتحكّم في بعض مفاصلها ومؤثّراً في حركاتها، وبالتالي تمكّنه من السيطرة والتحكّم في الأحداث والأشخاص(1).

•مخاطرها
على الرغم من الإيجابيّات التي سجّلها الباحثون، إلّا أنّهم سجّلوا جوانب سلبيّة عديدة تترك آثاراً اجتماعيّة، وتربويّة، وتعليميّة، وصحيّة، و...، تبيّن بمجموعها أنّ هذه الألعاب قد خرجت من دائرة اللعب وتمضية الوقت والاستفادة المحدّدة، لتترك بصمات شديدة الخطورة، منها:

1- التأثير الصحيّ: سجّل الباحثون مجموعةً من الأعراض الصحيّة التي تصيب مدمني الألعاب الإلكترونيّة، من أبرزها: استنفاد طاقات الأطفال، نزول الدموع من العينين، ضعف البصر، الإصابة بانحناء في الظهر وتقوّس العمود الفقريّ، رعشة تصيب أصابع اليدين، الصداع وانتشار السمنة بسبب نقص الحركة والابتعاد عن الأنشطة الرياضيّة، تدمير أدمغة الأطفال وذلك من خلال إعاقة تطوّر الدماغ، فتساهم في وجود أجيال غبيّة تميل إلى ممارسة العدوان أكثر من الأجيال السابقة، كما أن لديهم الميل نحو فقدان السيطرة على أنفسهم(2).

2- التأثير النفسيّ والسلوكيّ: تترك الألعاب آثارها على سلوكيّات الطفل وتركيبه النفسيّ فتتعزّز حالة الجُبن لديه، ويزداد ميله نحو العنف والتقليد والكسل. وتولّد هذه الأمور عند الأطفال سلوكيّات مَرَضيّة، كالميل نحو الجريمة، والشرّ، وعدم قَبول الآخر. يضاف إلى ذلك، أنّ هذه الألعاب تجعل الطفل يعيش في عالمٍ بعيدٍ عن الواقع، فلا يرتوي إلّا منه، ولا يجد ضالّته إلّا فيه، فيصبح عدوانيّاً تجاه العالم الحقيقيّ. وقد شهد العالم موجاتٍ من الإجرام التي كان أبطالها أطفالاً ارتكبوا جرائم واقعيّة نتيجة إدمانهم الألعاب العنفيّة(3).

3- الـتـأثيـــر الأخـــلاقيّ: يتّجه الأطفال عادةً لتقليد ما يشاهدونه وينشغلون به في الألعاب؛ باعتبار أنّها أصبحت جزءاً من العمليّة التعليميّة التي تزرع في الأذهان الكثير من المفاهيم والسلوكيّات الأخلاقيّة. وهنا، لا بدّ من تسجيل مجموعة من التداعيات على الأطفال من جملتها ما له علاقة باللباس والاحتشام، واستخدام الألفاظ والتعابير النابية؛ لأنّ بعض الألعاب تتضمّن شتائم وألفاظاً نابيةً، وهي مسألة في غاية الخطورة. يضاف إلى ذلك ما تساهم فيه الألعاب من إباحيّة جنسيّة، وانحلال أخلاقيّ، وميل نحو الفاحشة(4).

4- التأثير الاجتماعيّ: تساهم الألعاب الإلكترونيّة والجلوس منفرداً أمام الجهاز في صناعة إنسان غير اجتماعيّ يميل نحو العزلة والانطواء على ذاته نتيجة غرقه في عالم من التخيّلات والأوهام، وابتعاده عن العالم الحقيقيّ الذي يتعاطى فيه الناس كمجموعة واحدة تربطهم علاقات واحتياجات متبادلة(5).

5- التأثير الدينيّ: تبرز خطورة الألعاب الإلكترونيّة على المستوى الدينيّ عندما تقدّم مضامين دينيّة واعتقاديّة تتعارض بالكامل من نصوص الدين والتربية الدينيّة. ويحكي واقع بعض الألعاب عن ترويجها لأفكار تتعارض مع فكرة التوحيد، أو الثواب والعقاب، والبعث يوم القيامة. واتّجهت ألعاب أخرى للترويج للسحر والشعوذة، وإهانة الرموز والمقدّسات الدينية... وساهمت بعض الألعاب في هدم القيم والفضائل الدينيّة من خلال الترويج لقيم أخرى معارضة، كالكذب، والاحتيال، والسرقة..(6).

•ألعابٌ من نوعٍ خاصّ
إذا كان الباحثون التربويّون وعلماء النفس يُحذّرون من الآثار السلبيّة التي تتركها بعض الألعاب الإلكترونيّة، فإنّ هذه الألعاب آخذة بالتطوّر يوماً بعد يوم، ولكن هذا التطوّر ليس على مستوى الإمكانيّات التقنيّة والبرمجيّة، بل على مستوياتٍ أخرى تبدو أكثر خطورة. فالألعاب الجديدة تتطوّر على مستوى المضمون والأفكار والقيم، وعلى مستوى الأهداف الخفيّة الكامنة التي لا يمكن للمستخدم والطفل إدراكها.

ففقد انتشر أخيراً العديد من الألعاب ومن أبرزها: ببجي Pubg، فورت نايت Fortnite، كول أوف ديوتي Call of Duty، الحوت الأزرق، بوكيمون، مريم، مومو، و... وهي ألعاب ظهرت نتائجها السلبيّة سريعاً، فاندفع المرشدون والمعالجون النفسيّون والتربويّون إلى التحذير من مخاطرها. وبشكل مختصر، يمكن تسجيل ما انطوت عليه من مخاطر: إهدار الوقت لدى الأطفال والشباب، الترويج لأفكار مسمومة متطرّفة، حتّى أنّها تحوّلت إلى قاتل مأجور محترف يجيد اختيار ضحاياه عن بُعد، إنشاء صداقات عبر شبكات مخفيّة يستغلّونها في التعرّف إلى أمور سياسيّة، أو جذبهم إلى أفعال مشينة تخالف العادات والتقاليد، وإفشاء الأسرار أمام الآخرين... وهذا ما نشاهده وبوضوحٍ في ألعاب من قبيل: "ببجي Pubg، وفورت نايت Fortnite، وكول أوف ديوتي Call of Duty".

•أدوات للأذى والانتحار
تحوّلت بعض الألعاب من كونها أداة للتسلية والمتعة، إلى أن تكون أداةً تؤدّي إلى الانتحار والقتل، حيث تنبّه الآباء لها بعد أكثر من واقعة انتحار لأطفال وشباب في العديد من الدول، وتسبّبت في حالات انتحار صادمة لما يفوق الـ100 شخص عبر العالم، حيث تجبر بعض الألعاب المستخدمين على مشاهدة أفلام الرعب لمدّة 24 ساعة يوميّاً، وتدفعهم إلى تشويه أجسادهم باستخدام آلاتٍ حادّة، وتحثّهم على الاستيقاظ في ساعاتٍ متقطّعةٍ من الليل وتصوير أنفسهم، مضافاً إلى تقطيع أجزاء صغيرةٍ من أجسادهم، وكلّما قطع الطفل جزءاً صغيراً وصوّر نفسه، ينتقل إلى المرحلة التالية حيث يتلقّى تشجيعاً وثناءً من القائمين على اللعبة، ويوهمونه أنّه بطل، وعند بلوغ اليوم الخمسين من ممارسة اللعبة، يٌقدم اللاعب على الانتحار فوراً.

ثمّ لعبة "مريم" التي سبّبت الرعب للعائلات والإيذاء للأطفال الذين لم يستجيبوا لها، مضافاً إلى لعبة "بوكيـمون" التي استحــوذت على عقول ملايين الأطفال والمراهقين، وخلّفت حوادث قاتلة وحالات هَوَس وجنون، وكذلك لعبة "جنّيّة النار" التي توهم الأطفال بتحويلهم إلى مخلوقاتٍ ناريّةٍ خارقة، وتطالبهم بالبقاء منفردين داخل غرفهم حتّى لا يزول مفعول الكلمات السحريّة التي يردّدونها، ومن ثمّ يحرقون أنفسهم، وكلّما انتبه الآباء إلى خطورة لعبةٍ ما، يتمّ اختراع أخرى باسم جديد(7). فتطوّرت لعبة "مريم" إلى تطبيق "مومو" المخيف للأطفال، الذي بدأ يظهر بشكل مفاجئ عندما يستخدم الطفل تطبيق "يوتيوب كدز YouTube Kids".


•استشعار الخطر
بعد ما تقدّم، على الأهل دقّ ناقوس الخطر واستشعار مدى خطورة الألعاب الإلكترونيّة على أطفالهم بجديّة ووعي كاملَين، إذ تقع على عاتقهم أولاً وأخيراً مسؤوليّة الرقابة، والتوجيه، والتوعية، ويجب أن يُشغلوا أبناءهم بنشاطاتٍ أخرى، وهي كثيرة ومتنوّعة، تعود عليهم بالنفع والفائدة.


1.مقال: تأثير الألعاب الإلكترونيّة على الأطفال، وسام نايف، بابل، 2015م؛ وأيضاً: الطفل الجزائري وألعاب الفيديو، دراسة في القيم المتغيّرات، أحمد فلاق، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسيّة والإعلام، ص141.
2.الألعاب الإلكترونيّة في عصر العولمة، ما لها وما عليها، مهى حسني الشحروري، دار المسيرة للطباعة والنشر، ص71.
3.راجع: الألعاب الإلكترونيّة والعدوانيّة، نشأت صبوح، دار النهضة العربية، بيروت، 2000م، ص16-17.
4.الطفل الجزائريّ وألعاب الفيديو، (م.س)، ص148.
5.فضل سلامة، سيكولوجيّة اللعب عند الطفل، دار أسامة، دار المشرق العرب، 2006م، ص161.
6.الطفل الجزائري وألعاب الفيديو، (م.س)، ص149.
7.راجع: صحيفة البيان، 22/10/2018م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع