زهرة بدر الدين
الأخ هو مصطلح يطلق على النسبة التي تجمع بين شخصين، إما من طرف الأبوين معاً أو من أحدهما. وبتعبير أدق، هو الذي يجتمع مع الآخر في بطن واحدة أو صلب واحد أو كليهما معاً. و: "الأخوّة منها ما هي أخوة طبيعية ومنها ما هي اعتبارية لها آثار اعتبارية، وهي في الإسلام أخوّة نسبية لها آثار النكاح والإرث، وأخوة رضاعية لها آثار في النكاح دون الإرث، وأخوة دينية لها آثار اجتماعية ولا أثر لها في النكاح والإرث"(1). ولكل قسم منها حقوقٌ على الأخ تأديتها، حيث لا براءة له منها إلا بالأداء أو العفو كما جاء في الروايات. وفي رسالة الإمام زين العابدين عليه السلام إشارة إلى القسم الأول منها، وكذلك أكدت الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام على أهمية الأخوّة وحقوقها.
* حق الأخ على أخيه
تُعتبر الأخوّة واحدة من سلسلة الروابط الأسرية التي تحتل مكانة مهمة في حياة الفرد. ولذلك، فرض الإسلام لهذه العلاقات نوعاً من الحقوق والواجبات اتجاه الآخرين، بغية استمرارها ونجاحها ضمن بوتقة من الأحكام. كما أدرجها ضمن سلسلة صلة الأرحام، لما لها من آثار نفسية واجتماعية، تعلّم الأخ كيفية التعاطي مع المجتمع من خلال آداب وسلوكيات معينة وبناء علاقات إنسانية مع بني جنسه. ويمثل الأخ الدور الأهم في العلاقات الأسرية داخل المنزل، فهو المحور الذي يتوزع على جميع الأطراف. فبالإضافة إلى علاقته بأبويه، هناك علاقة بسائر إخوته، حيث يلعب الأخ الأكبر دور الأب لمن هو أصغر منه، فيحل مشاكله التي غالباً ما يكتمها عن أبويه، ويمنحه الحنان والعاطفة التي تضفي عليه ثقة بنفسه، وهو (الأخ الأكبر) بذلك يقوم بالتمرن على أداء دور الأب في التربية وتحمل المسؤولية.
أما الأخ الصغير فتتسع له دائرة حل مشاكله وإشباعه العاطفي من قبل الأبوين وإخوته الكبار، بينما الأخ الأوسط يلعب الدورين معاً. وبهذه العلاقة يترك سلوك الأخ تأثيراً تربوياً مهماً على سلوك أخيه، حيث يمثل له القدوة والمثل الأعلى ويتعلم منه عن طريق الملاحظة. ومن هنا، كانت للأخ على أخيه حقوق قد أدرجها الإمام عليه السلام في رسالة الحقوق المنسوبة إليه. وفيها قَسّم كلامه إلى قسمين : قسم يتعلق بأهمية وجود الأخ والحاجة إليه، وهي مقدمة ومدخل إلى القسم الثاني الذي تناول الحديث حول ضوابط السلوك الذي يحكم هذه العلاقة ضمن الأطر الشرعية، فقال عليه السلام : "وحق أخيك أن تعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجئ إليه وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها. فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه والإقبال عليه في الله، فان انقاد لربه وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه". تفرض الآداب والسلوك أن تنظر إلى الأخ على أنه القوة المساندة التي تتشكل من الأخ وأخيه معاً في مواجهة الخصم. ولذلك، عبّر بكلمة اليد التي تبسطها للدلالة على القوة كما عبّر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ (الفتح: 10)، حيث فُسرت بالقوة والبطش. وبهذا يكون الأخ سنداً إضافياً تستفيد منه في حالات النجدة والعون .
وظهرك الذي تلتجئ إليه: حيث يمثل الظهر قوام الجسد وشموخه وهو عماد الدعم في الشدائد(2)، كما ويشير إلى حجم مساندة الأخ لأخيه في حل مشاكله، والوقوف معه في الشدائد، إذ يعتمد عليه ويثق به كامل الثقة، ولا مجال للغدر والخيانة. وحيث هو ظهره يلجأ إليه، فهو العزّ الذي يعتمد عليه ويفتخر ويشمخ به والقوة التي يصول بها مجتمعة مع قوته.
* سلوكيات علاقة الإخوة
أما القسم الثاني، فهو يتحدث عن ضوابط وقواعد السلوك التي تحكم هذه العلاقة ضمن الأطر الشرعية. فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله حين تثور وساوس الشيطان. فالأخ يقوم بمساندة أخيه على تهذيب القوة الغضبية التي تبعث على الظلم والقتل والسرقة وإيذاء الآخرين وغير ذلك. وإذا كان سنداً، فلا يكن سنداً له في ظلمه لنفسه، بإقحامه في الذنوب والمعاصي وتزيين حب المعصية له، وإنما هو سند وظهر له في الخير وطاعة الله تعالى، والبعد عن المحرمات. وهذا في عين ذاته نصرة له من خلال كفّه عن ظلمه لنفسه. فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قيل يا رسول الله، نصرته مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال صلى الله عليه وآله: تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه"(3). يرتبط الأخ بأخيه برابطة العرق والدم وذكريات الطفولة وأمل المستقبل. وهو من هذه الجهة يمكن أن يكون له نعم العون على طاعة الله تعالى. كما من الممكن أن يكون بئس القرين والخليل. وبما أن الاحتمال الثاني وارد أكثر لحؤول الشيطان ووساوسه بينه وبين إخوانه، فإن على الأخ أن يبقى يقظاً محافظاً على هذه العلاقة الثمينة مع أخيه ضمن الضوابط الشرعية والآداب العرفية , إذ قد يتحول إلى شيطان كما يعبر القرآن الكريم: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً﴾(الفرقان: 28-29).
ولذلك، انصبت مجموع السلوكيات التي تحكم هذه العلاقة في كلام الإمام عليه السلام على عدم اتخاذه واستعماله سلاحاً على معصية الله، أو جعله أداة ووسيلة للظلم بين الناس؛ وإذا احتاج نصرة لنفسه، فلا يتركها ويحول بينه وبين وساوس نفسه وشياطينه ورغباته الدنيوية، ولا يترك نصيحته وهدايته ما أمكن، بما يساعده في الإقبال على طاعة الله التي لا تحصل إلا بعد الإدبار عن النفس الأمارة بالسوء. ولذلك، جاءت عملية التخلية من الحول بينه وبين الشيطان ثم التحلية بالإقبال على الله تعالى، والتوجه إليه، بحثّه على الطاعات والعبادات وتذكيره بالآخرة ومساعدته لإعداد برنامج عبادي لنفسه ليشتغل بعبادة الله تعالى، وخدمة خلقه لأن النفس كما جاء في الروايات "إن لم تشغلها شغلتك"، وأفضل ما يمكن أن تشتغل به هو ذكر الله تعالى. فإذا حاول الأخ مراعاة كل هذه الضوابط ولم يفلح وكانت إرادة الشيطان أقوى، فعليه الالتفات كي لا ينجر وراءه في المعصية، وبذلك يكون قد أدى الواجب وقام بتكليفه. وليكن الله ونواهيه حينها آثر وأولى عنده من كل شيء، وطاعته ومرضاته هي أساس لكل سلوك وتصرف، فلا يلازمه كما كان سابقاً كي لا يقع في المعصية ولا يشاركه في الظلم، كما يجب أن لا يقطع الصلة به الواجب مراعاتها، تحرزاً من الوقوع في معصية قطع الرحم التي تعد من الذنوب الكبيرة. ففي هذه الحال عليه أن يصله بالسلام والنصيحة بين الفينة والأخرى ويؤدي حقوقه المتبقية، إلا أنه لا يؤثره على طاعة الله، حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى.
وقد أشار الله تعالى إلى دور الأخ التربوي والعبادي والسلوكي مع أخيه، من خلال سرد قصة النبي موسى عليه السلام وحديثه عن هارون، حيث قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً﴾ (طه: 25 35). فقد ذكر تعالى أربع علل استعملها موسى عليه السلام حينما طلب أن يكون أخوه هارون وزيراً له في تبليغ الرسالة والدين الإلهي: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا﴾. تحمل العلتان الأوليان الدور الرسالي والاجتماعي الذي ظهر بعدما طلب الاستعانة بأخيه هارون لمعونته في ذلك.. بينما العلتان الأخريان تركزان على البعد التربوي العبادي والمتمثل بمؤازرة ومساعدة الأخ أخاه للوصول إلى الله تعالى عن طريق التسبيح وطاعة الله والذكر.
محمد حسين، الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، جامعة المدرسين، قم، لا.ت، ج18، ص315.
قاسم، نعيم، حقوق الوالدين والولد، دار الهادي، ط5، 2006، بيروت، ص109.
المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: مؤسسة الوفاء، ط2، بيروت، 1983، ج71، ص236.