نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شخصية العدد: سلمان المحمدي

الشيخ تامر محمد حمزة

 



عن أبي عمرو الكندي قال: "كنا ذات يوم عند علي عليه السلام فوافق الناس منه طيب نفس ومزاح فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: عن أيهم؟ قالوا: فحدثنا عن سلمان الفارسي، قال عليه السلام: من لكم بمثل لقمان؟ وذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت. أدرك العلم الأول وأدرك العلم الآخر وقرأ الكتاب الأول وقرأ الكتاب الآخر وقال فيه رسول الله سلمان بحر لا ينزف وكنز لا ينفذ"(1). وكذلك قال عنه في مناسبة أخرى: "ما أقول في رجل خلق من طينتنا وروحه مقرونة بروحنا"(2).

• سلمان الخير
هو أبو عبد الله سلمان الفارسي (3) ويلقب سلمان الخير والمحمدي وسلمان ابن الإسلام وكان وصي عيسى وقرأ الكتابين (4). وقد نهى الإمام الصادق عليه السلام عن تسميته بالفارسي عندما قال له أحد أصحابه: ما أكثر ما أسمع منك يا سيدي ذكر سلمان الفارسي، فقال: "لا تقل الفارسي ولكن قل المحمدي"(5). وقد اختلف في عمره أكان مئتين وخمسين أم ثلاثمائة (6)، وهناك قول إن عمره خمسمائة سنة وقد أدرك عيسى(ع) " (7).

انتظر سلمان سنوات مديدة حتى يكحل ناظريه برؤية خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله. يقول الإمام الصادق عليه السلام: "وكان سلمان لما ضرب في الأرض لطلب الحجة فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ومن فقيه إلى فقيه ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار منتظراً لقيام القائم سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله أربعمائة سنة حتى بشر بولادته فلما أيقن بالفرج خرج يريد تهامة (8). وتوجه إلى الجزيرة العربية ليلحق بالنبي صلى الله عليه وآله.

• إسلامه
رواية إسلام سلمان طويلة رواها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. ومما جاء فيها: "قدمت طبقاً من رطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لمن كان جالساً: كلوا، وأمسك هو عن الطعام، فقلت إنه هو النبي لأن النبي لا يأكل صدقة. ثم جئت بطبق آخر من الرطب فوضعته بين يديه فقلت: هذه هدية، فمدّ يديه وقال: بسم الله كلوا، ومدّ القوم جميعاً أيديهم فأكلوا، فقلت في نفسي: هذه أيضاً علامة، قال: فبينما أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلى الله عليه وآله التفاتة فقال: روزبة تطلب خاتم النبوة؟ فقلت: نعم فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجوم بين كتفيه... فسقطّتُ على قدم رسول الله أقبلها"(9).

إن التعبير بإسلام سلمان غير دقيق؛ لأنه لم يكن مشركاً ولم يسجد للشمس أبداً (10) وإنما كان يسجد لله عز وجل (11) خلافاً لقومه. وكان إذا قيل له: "ابنُ من أنت؟ يقول: أنا سلمان بن الإسلام أنا من بني آدم كنت عبداً فأعتقني الله بمحمد صلى الله عليه وآله ووضيعاً فرفعني بمحمد صلى الله عليه وآله وفقيراً فأغناني بمحمد صلى الله عليه وآله فهذا حسبي ونسبي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صدق سلمان"(12).

• صفاته
أ- المحدّث
كان سلمان محدَّثاً، فعن الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين يحدِّثانه بما لا يحتمله غيره من مخزون علم الله ومكنونه"(13).

ب- العالم والحكيم
سأل جابر رسول الله عن سلمان فقال: "سلمان بحر العلم لا يقدر على نزفه, سلمان مخصوص بالعلم الأول والآخر"(14). وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وآله: "سلمان كنز لا ينفد.... سلسل يمنح الحكمة ويؤتى البرهان"(15).

ج- المجاهد
إن أول معركة شارك فيها سلمان هي معركة الخندق، حينما هاجم أبو سفيان المدينة ليهدمها على أهلها. وقد أشار سلمان على النبي صلى الله عليه وآله بحفر الخندق(16). فلما رآه أبو سفيان قال: "هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها"(17).

د- الزاهد
كان سلمان إذا أخذ عطاءه، رفع منه قوته لسنته، حتى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: "يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غداً، فكان جوابه ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليَّ الفناء؟ أما علمتم... أن النفس قد تلتاك على حاجتها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت؟"(18).

هـ- الموالي
كانت محبة أهل البيت عليهم السلام واضحة البيان في كلام سلمان، ولا تخلو منها مواقفه، وفي واحدة منها مخاطباً بعضهم: "إلى من تسند أمرك إذا نزل بك القضاء وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلم وفي القوم من هو أعلم منك وأكثر في الخير أعلاماً ومناقب منك وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله قرابة وقدمة في حياته قد أوعز إليكم فتركتم قوله وتناسيتم وصيته فعمّا قليل يصفو لكم الأمر حين تزورون القبور وقد أثقلت ظهرك من الأوزار"(19).

وقول سلمان هو قول دراية ويدل عليه ما رواه عنه الأصبغ بن نباتة حيث قال: "أقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي: يا علي من بعدك أعراف لا يعرف الله إلا سبيل معرفتكم وأعراف لا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه ولا يدخل النّار إلا من أنكركم وأنكرتموه"(20).

• قال عنه الأئمة عليهم السلام
ورد ذكر سلمان في حديث للإمام الباقر عليه السلام عن أبيه عن جده علي عليه السلام قال: "ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم سلمان"(21). وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله لأحد أصحابه: "أتدري ما كثرة ذكري له؟ قلت: لا، قال: ثلاث خلال إحداها: إيثاره هوى أمير المؤمنين عليه السلام على هوى نفسه، والثانية: حبه للفقراء، واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة: حبه للعلم والعلماء"(22).

• سلمان ينتصر للحسين عليه السلام
لطالما نال سلمان بعضاً من العلوم الغيبية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام فهو بدوره يحدث ببعض ما سمع، ومن جملة ذلك نصرة الحسين عليه السلام إذ يُروى أنه لما دخل رسول الحسين عليه السلام على زهير بن القين قائلاً له: "إن أبا عبد الله بعثني إليك لتأتينه، قالت امرأته له: سبحان الله أيبعث إلـيك ابن رسول الله ثم لا تأتيه؟ ثم ما لبث أن جاء زهير مستبشراً قد أشرق وجهه... وقال لأصحابه من أحب أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد"(23). وفي رواية أنه قال: "إني سأحدثكم حديثاً، إنّا غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم فقال لنا سلمان الفارسي: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم سيد شباب أهل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم مما أصبتم اليوم من الغنائم"(24).

• وفاته
توفي سلمان الفارسي عن عمر مديد ربما يصل إلى ما يزيد عن أربعمائة سنة كما أشرنا. وكانت وفاته سنة 36 للهجرة في المدائن ودفن فيها وله مرقد يزار(25). وكان أمير المؤمنين عليه السلام آنذاك في الكوفة فحضر على تجهيزه. وينقل الأصبغ بن نباتة في خبر طويل عن حضور أمير المؤمنين عليه السلام...... ويقول: "بعد تجهيزه ودفنه همّ بالانصراف فتعلقت بثوبه وقلت له: يا أمير المؤمنين كيف كان مجيئك؟ ومَنْ أعلمك بموت سلمان؟ قال: فالتفت إلي وقال: آخذ عليك يا أصبغ عهد الله وميثاقه فإني قد صليت هذه الساعة بالكوفة وقد خرجت أريد منزلي فآتاني آت وقال: يا عليّ إنّ سلمان قد قضى نحبه وبهذا أخبرني رسول الله... فأتى الكوفة والمنادي ينادي لصلاة المغرب فحضر عندهم علي عليه السلام"(26).


1.الإيضاح، الفضل بن شاذان، هامش ص280.
2.الاختصاص، المفيد، ص221.
3.منتهى المطلب، الحلي، ج1، هامش ص166.
4.الفصول العشرة، المفيد، هامش ص102.
5.الأمالي، الطوسي، ص133.
6.الفصول العشرة، م. س، هامش ص102.
7.كمال الدين، الصدوق، ج21، ص 161.
8.م. ن، ص165.
9.م. ن.
10.الفصول العشرة، م. س، هامش ص 102.
11.كمال الدين، م. س، ص 165.
12.علل الشرائع، الصدوق، ج1، ص 182.
13.م. ن.
14.الاختصاص، م. س، ص 222.
15.الإيضاح، م. س، هامش ص280.
16.رسائل المرتضى، الشريف المرتضى، ج4، ص117.
17.الاحتجاج، الطبرسي، ج1، هامش ص149.
18.التحفة السنية، الجزائري، ص59.
19.الخصال، الصدوق، ص 463.
20.بصائر الدرجات، الصفّار، ص 567.
21.الكافي، الكليني، ج2، هامش ص244.
22.الأمالي، م. س، ص133.
23.انظر: الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 73.
24.الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 4، ص 42.
25.شرح الأخبار، القاضي النعمان، ج2، هامش ص 466.
26.مدينة المعاجز، البحراني، ج2، ص13.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع