مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شخصية العدد: عمّار بن ياسر

الشيخ تامر محمد حمزة

 



ثلاث وتسعون سنة, هجرةً وجهاداً وشهادةً، ثلاث وتسعون سنة موزعة بين النصرة للنبوة والانتصار للإمامة. ثلاث وتسعون سنة جاهد الأعداء على التنزيل ثم جاهدهم لأجل التأويل. ثلاث وتسعون سنة ولم تفتقده واقعة أو غزوة. أَلِفَ الميادين كلها وألفَتْه. فتح عينيه على رمال مكة وشبَّ في بدر وأُحد وحنين وشاب في الخندق والبصرة وتبوك وختم الرابعة والتسعين في صفين، وهي العمر المديد والمبارك للمجاهد المحتسب والشهيد الفائز عمار بن ياسر.

هو أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر. كان عمار مع أبويه وأخيه عبد الله من السابقين إلى الإسلام، وجاهروا به فَعُذِّبوا لأجل ذلك أشد العذاب، وأُلبسوا دروع الحديد ثم عُذّبوا في الشمس على أن يتركوا الإسلام وهم يأبون ذلك، وكان يمر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة" وأمه أول شهيدة في الإسلام.  أما صفاته الخلقية فكان طويلاً مضطرباً أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين ولا يغيّر شيبته وكان جعداً (1).

* عمار بين كلام الله وكلام رسوله
إنّ الظروف الصعبة التي أحاطت بعمّار من قتل لأمّه بيد أبي جهل وشهادة أبيه وعدم توفّر عناصر القوة للدّفاع عنه أكرهته على أن يعطي المشركين ما أرادوه بلسانه وأما ما في قلبه فبقي على ما هو عليه من الاعتقاد برسالة النبي صلى الله عليه وآله. حينما أُخبر الرسول صلى الله عليه وآله بأن عماراً كفر أجابهم صلى الله عليه وآله: كلا إن عماراً مُلئ إيماناً من قرنه إلى قدمه وخالط الإيمان لحمه ودمه. ولمّا أتاه وهو يبكي مسح رسول الله عينيه وقال: وإن عادوا لك فعُد لهم بما قلت (2).
ثم أنزل الله تعالى فيه قوله: ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ (النحل: 106) وقد أجمع المفسرون على نزولها في عمّار (3).

* ملكاته الباطنية
تحلّى عمّار بملكات باطنية وصفات نفسانية جعلته يتبوّأ مقام الصدّيقين والأولياء والشّهداء. وإليك بعض النصوص التي تكشف مكنون ما انطوت عليه هذه الشّخصية الصّابرة والمحتسبة:

أ- متهجد وصاحب بصيرة
المتهجدون فوق حدّ الإحصاء. ولم يتعرض القرآن لذكر أحدٍ منهم غير الأنبياء والأوصياء على نحو الخصوص، إلا عمار بن ياسر. وقد روي أنه نزل فيه قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (الزمر: 9).  فعن أبي بكر بن عياش أنّها نزلت في عمار وكذلك رواها ابن عباس (4) وعنه أيضاً نزل قوله تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (الأنعام: 122) في عمّار. وتضاف إليهما عدّة آيات أخر. وليس غريباً ما روته عائشة حيث قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه: عمّار ملئ إيماناً إلى أخمص قدميه"(5).

ب- باقة أوسمة
عن الإمام علي عليه السلام قال: استأذن عمّار على رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فعرف صوته فقال: مرحباً بالطّيب المطيَّب ائذنوا له (6). وعن خالد بن الوليد قال: "كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال صلى الله عليه وآله: من عادى عماراً فقد عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله"(7). وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إنّ الجنّة تشتاق إلى ثلاثة عليّ وعمّار وسلمان"(8).

ج- ما لهم ولعمار
إن شدّة البصيرة الّتي كان يتحلّى بها عمّار أزعجت الكثيرين، وإن قوّة ثباته على الحق زلزلتهم ووضوح حجّته حيّرهم ولذا لم يكن أمامهم إلّا الانتقام منه والتجرؤ عليه في حياة النّبي صلى الله عليه وآله الذي قال مقالته المشهورة: ما لهم ولعمّار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"(9). ومنها ما رواه ابن هشام أن عليّاً عليه السلام ارتجز مادحاً عماراً عند بناء المسجد في المدينة حيث قال فيه:
لا يستوي من يعمر المساجدا
يدأب فيها قائماً وقاعداً
ومن يرى عن الغبار حائداً
فأخذها عمار فجعل يرتجز بها ولما كثر ظنّ بعضهم أنه إنما يعرّض به فقال له: وقد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك، وفي يده عصا، فغضب النبي صلى الله عليه وآله من تصرفه، وقال له: ما لهم ولعمار (10).

د- دائم الحضور في الميادين
من تاريخ عمار بن ياسر أمران أولهما: أنه لم تخلُ منه واقعة وكان دائماً في الخطوط الأولى، وثانيهما: أن الشيخوخة لم تمنعه من الحضور في ميادين الحرب وساحات المبارزة وهو الذي شهد عدة معارك مع رسول الله صلى الله عليه وآله كبدر وأحد وتبوك وهكذا فقد شهد مشاهد كثيرة مع علي عليه السلام، بل لم ينقل أنه جبن في واقعة، بل دائماً كانت الخطوط الأمامية تشهد له وكفاه فخراً أن شهد له النبي صلى الله عليه وآله بذلك حين قال لعلي عليه السلام: "وعمار بن ياسر يشهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلا وهو فيها، كثير خيره مضيء نوره عظيم أجره"(11).

* تقتلك الفئة الباغية
هذه العبارة من أخبار النبي صلى الله عليه وآله عن الأمور الغيبية التي تتعلق بالمستقبل قالها صلى الله عليه وآله لعمار في مواطن متعددة منها حينما كانوا يرهقونه بحمل الحجارة لبناء المسجد فقال للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله قتلوني يحملون عليّ ما لا يحملون، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله ينفض وفرته بيده وقال: "ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية"(12). ومن المعلوم أن عماراً استشهد في معركة صفين ضد الخارجين على إمام زمانهم، فتكون النتيجة أن الفئة الباغية تنطبق على معاوية وجيشه.

* عمار الصائم الشهيد
مساء الخميس الواقع في التاسع من صفر سنة 37 للهجرة وقد جنحت الشمس للغروب ومع عمار ضيح من لبن ينتظر غروب الشمس ليفطر ولما غربت وشرب الضيح قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن" ثم اقترب فقاتل حتى استشهد (13). ولما بلغ الخبر علياً قال:........ رحم الله عماراً يوم أسلم ورحم الله عماراً يوم قتل ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً.


(1) أحاديث أم المؤمنين عائشة، العسكري، ج10.
(2) سيرة ابن هشام، ج2، ص114، والعقد الفريد، ابن عبد ربه، ج4، ص342.
(3) تفسير الآية، الاستيعاب والطبري والقرطبي وابن كثير والسيوطي وطبقات ابن سعد.
(4) الدر المنثور، السيوطي، ج5، ص 323.
(5) الاستيعاب، ابن عبد البرّ، ج 3، ص 1137.
(6) م. ن، ص 1138.
(7) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 9، ص 293.
(8) شرح الأخبار، القاضي النعماني المغربي، ج 1، ص 491.
(9) بحار الأنوار، المجلسي، ج 31، ص 196.
(10) أحاديث أم المؤمنين عائشة، م. س، ج 1، ص 132.
(11) بحار الأنوار، م. س، ج 22، ص 342.
(12) البداية والنهاية، ابن كثيرة، ج 3، ص 236.
(13) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج 3، ص 258.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع