مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عمّار بن ياسر المملوء إيماناً

الشيخ تامر محمد حمزة



عن حمران بن أعين أنه سأل أبا جعفر عليه السلام قال: "قلت: ما تقول في عمار؟ قال عليه السلام: رحم الله عمّاراً- ثلاثاً- قَاتَلَ مع أمير المؤمنين عليه السلام وقُتِل شهيداً. قال: قلت في نفسي ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة؟... قلت: وما علمه أنه يُقْتَل في ذلك اليوم؟ قال عليه السلام: إنه لما رأى الحرب لا تزداد إلا شدة والقتل لا يزداد إلا كثرة ترك الصف وجاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هو؟ قال عليه السلام: ارجع إلى صفك، فقال له ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يقول له ارجع إلى صفك، فلما أن كان في الثالثة قال له نعم فرجع إلى صفه وهو يقول: اليوم ألقى الأحبة محمداً صلى الله عليه وآله وحزبه. وسماه النبيّ صلى الله عليه وآله الطيِّب المُطَيَّب. شهد بَدْراً ولم يشهدها ابن من المؤمنين غيره, وشهد أُحُداً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وآله والجمل وصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام, وقتل بصفين شهيداً ودفن هناك سنة (37هـ) وهو ابن 93 سنة".(1)

* نسبه وكنيته
قدم ياسر مع أخوين له وهما الحرث ومالك إلى مكة المكرمة بغرض البحث عن أخ رابع لهم. فقفل الأخوان راجعين إلى اليمن، وأقام ياسر فيها حيث أعجبه ذلك إلى أن حالف أبا حذيفة ابن المغيرة المخزومي (2)، وتزوج أََمَتَه سمية بنت خباط فولدت عماراً، فأعتقه أبو حذيقة، فمن هنا صار عمار مولى لبني مخزوم. (3) وأما عمار فهو أبو اليقظان حليف بني مخزوم، ينسب إلى عنس بن مالك وهو من مذحج بن أدد رابع الأركان. (4) ولما جاء الإسلام أسلم ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله وكانوا يُعذَّبون في الله. (5) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد مرّ بعمار وأمه وأبيه وهم يُعَذَّبون بالأبطح في رمضاء مكة فقال: صبراً آل ياسر موعدكم الجنة.  وروي أنّ أبا جهل قد طعن سميّة في قلبها بحربة في يده فقتلها فهي أول شهيدة في الإسلام. (6) وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكْرَهاً، فقيل: "يا رسول الله إن عماراً كفر؟ فقال صلى الله عليه وآله: كلا إن عماراً مُلِئ إيماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه" فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبكي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح عينيه وقال له: "ما لَكَ! إن عادوا لك فَعُد لهم بما قلت" .(7)

* عمار في القـرآن الكريم
لقد اختصّ الله سبحانه عمار بن ياسر بآيات عدة، نذكر منها:

أ- قوله تعالى: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ (الزمر: 9) فعن ابن عباس أنّها نزلت في عمار بن ياسر .(8)
ب- قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل: 106). وقد أخرج عدد من الحفاظ نزولها في عمار حينما أكره من قبل مشركي قريش على أن يمدح آلهتهم وبعد أن اشتكى إلى النبيّ صلى الله عليه وآله قال له إن عادوا فعد وذكر أبو عمر في الاستيعاب: هذا مما اجتمع أهل التفسير عليه. (9)
جـ- قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل: 110) فعن ابن عباس: "أنها نزلت في جماعة أُكْرِهوا، ومنهم عمار..." .(12)

عمار على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام عليّ عليه السلام

أثنى رسول الله صلى الله عليه وآله على عمار بن ياسر في مواطن كثيرة؛ منها قوله فيه لما رأى خالداً يغلظ له القول: "من عادى عماراً عاداه الله, ومن أبغض عماراً أبغضه الله". (11)  وينقل أن عماراً استأذن على النبي صلى الله عليه وآله، فقال صلى الله عليه وآله: "ائذنوا له مرحباً بالطيِّب المطَيَّب...". وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما خُيِّر عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما"....  وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنّ الجنّة تشتاق إلى أربعة: علي ابن أبي طالب (ع)، وعمار بن ياسر، وسلمان، والمقداد بن الأسود". (12)  وعن أبي جعفر عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام قال: "ضاقت الأرض بسبعة، بهم تُرزقون وبهم تنصرون وبهم تُمطرون منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة. وكان علي عليه السلام يقول: أنا إمامهم وهم الّذين صلوا على فاطمة عليها السلام ".(13)

* عمار وبناء المسجد
عمار صاحب الفكرة الأولى ومن الساعين الأوائل في بناء المسجد. وقد روي أنه لما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة مهاجراً قال عمار: ما لرسول الله صلى الله عليه وآله بد من أن نجعل له مكاناً إذا استظل من قائلته ليستظل فيه ويصلي فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بني وعمار بناه. (14)  وقد روي أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله كان يحمل كل واحد منهم لبنة لبنة وعمار كان يحمل لبنتين لبنة عنه ولبنة عن النبي صلى الله عليه وآله, فمسح ظهره وقال: "ابن سمية, للناس أجر ولك أجران, وآخر زادك شربة من لبن وتقتلك الفئة الباغية".(15)

* عمار في معركة صفين
أ- رضاكَ يا ربّ

جاء في (الكامل في التاريخ) أن عمّاراً خرج على الناس فقال: "اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته. اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أضع ظُبَّة سيفي(16) في بطني ثمّ أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلته. وإنّي لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم عملاً هو أرضي لك منه لفعلته" .(17)

ب- شعار عمار في المعركة

كان عمار بن ياسر على رجالة أهل الكوفة، وكان له حضور بارز في تلك المعركة، فقد روى شيخ شهد صفين مع القوم فقال: "والله إن الناس على سكناتهم فما راعنا إلا صوت عمار بن ياسر حين اعتدلت الشمس وهو يقول: أيها الناس من رائح إلى الجنة كالظمآن يروى الماء؟ ما الجنة إلا تحت أطراف العوالي, اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه, يا معشر المسلمين! أصدقوا الله فيهم فإنهم والله أبناء الأحزاب دخلوا في هذا الدين كارهين حين أذلتهم حد السيوف وخرجوا منه طائعين".(18)

جـ – عمار في قلب المعركة
عندما استلم هاشم بن عتبة إحدى رايات أمير المؤمنين عليه السلام في صفين جعل عمار بن ياسر يحرضه على الحرب ويقرعه بالرمح ويقول: "أقدم يا أعور... فقال عمرو بن العاص: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً لئن دام على هذا ليفنيَنَّ العرب اليوم. فاقتتلوا قتالاً وشديداً وعمار ينادي صبراً عباد الله إن الجنة تحت ظلال البيض.... ولم يزل عمار ينحني بهاشم وهو يزحف بالراية حتى اشتد القتال وعظم، والتقى الزحفان، فاقتتلا قتالاً لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى في الفريقين جميعاً".(19)

د - عمار يواجه عمرو بن العاص
يقول عبد الله بن سلمة: "رأيت عماراً بن ياسر يوم صفين شيخاً آدم في يده الحربة وإنها لترعد، فنظر إلى عمرو بن العاص ومعه الراية، فقال إن هذه راية قد قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات وهذه الرابعة. والله لو ضربونا حتّى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة".(20)

* شهادته
استشهد رضوان الله عليه مساء الخميس 9 صفر سنة (37هـ)، عن عمر يناهز 93 عاماً. في آخر لحظات عمره الشريف قال عمار: "إنّي لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتّى يرتاب المبطلون.... وتقدّم عمار فقاتل ثمّ رجع إلى موضع فاستسقى, فأتته امرأة من نساء بني شيبان من مصافهم بعسل فيه لبن فدفعته إليه فقال: الله أكبر الله أكبر اليوم ألقى الأحبة تحت الأسنة, صدق الصادق وبذلك أخبرني الناطق وهو اليوم الذي وعدنا فيه. وتقدم وهو يقول:
 

 نحن ضربناكم على تنزيله

واليوم نضربكم على تأويله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله


أو يرجع الحقّ سبيله
فتوسط القوم واشتبكت عليه الأَسِنّة، فقتله أبو العادية (الغادية) وابن جوين السكسكي وقد اختصما في قتله، فيقول أبو العادية أنا الذي طعنته ويقول أبو جويرية السكسكي أنا احتززت رأسه فقال لهما عمرو بن العاص إن تختصمان إلا في النار.  وروي أنه لما قُتِل عمار احتمله أمير المؤمنين عليه السلام وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول:
 

وما ظبية تسبي القلوب بطرفها

إذا التفتت خلنا بأجفانها سحرا

بأحسن منه كلل السيف وجهه

دماً في سبيل الله حتى قضى صبرا


وفي رواية أخرى: أنه لما بلغ قتل عمار أمير المؤمنين عليه السلام جاء حتى وقف على مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حجرة وأنشد:
 

ألا أيها الموت الذي هو قاصدي

أرحني فقد أفنيت كل خليل

أراك بصيرا بالذين أودهم

كأنك تنحو نحوهم بدليل


ثم استرجع وقال: إن من لا يسوؤه قتل عمار فليس له من الإسلام نصيب. رحم الله عماراً ما رأيت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثاً إلا هو رابعهم ولا أربعة إلا وعمار خامسهم، ما وجبت الجنة لعمار مرة، ولكن وجبت مراراً. هنأه الله بما هيأ له من جنة عدن، إنه قتل والحق معه وهو على الحق كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يدور الحق مع عمار حيث دار، ثم قال: قاتل عمار وشاتمه وسالبه سلاحه معذب بنار جهنم، ثم تقدم عليه السلام وصلى عليه وتولى دفنه بيده. (21)


(1) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 126.
(2) الدرجات الرفيعة، السيد علي خان المدني، ص 248.
(3) الاستيعاب، ابن عبد البرّ، ج 3، ص 1136.
(4) رجال الطوسي، الطوسي، ص 70.
(5) أسد الغابة، ابن الأثير، ج 5، ص 98.
(6) أسد الغابة، م. س، ج 5، ص 481.
(7) بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج 29، ص 405.
(8) الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، ج 5، ص 232.
(9) الاستيعاب، م. س، ج 2، ص 435.
(10) تفسير الميزان، السيد الطبطبائي، ج 12، ص 355.
(11) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 43، ص 399.
(12) المعجم الكبير، الطبراني، ج 6، ص 215.
(13) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 20، ص 208.
(14) أسد الغابة، م. س، ج 4، ص 46.
(15) البداية والنهاية، ابن كثير، ج 3، ص 263.
(16) ظُبّة السيف طرفه.
(17) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 3، ص308 .
(18) الاختصاص، الشيخ المفيد، ص 13.
(19) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 1، ص 497.
(20) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج 3، ص 255.
(21) الدرجات الرفيعة، م. س، ص 278- 282.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع