صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

حكمة الأمير: كيف نجعل الموت حياة؟

الشيخ علي ذو علم

 



"فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين" (1). ما هو الهدف الهامّ الذي يجب البحث عنه في عملية الصراع بين الحق والباطل وبين جبهة الإسلام وجبهة الكفر؟ أيهما نرجّح إذا ما نتج عن انتصار الحق شهادة بعض الأشخاص؟ وأيهما يُقدَّم إذا ما أدَّى البقاء على الحياة إلى خسارة وانهيار الحق؟

* النّصر مع الموت حياة
هنا ينهض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إمام القلم والسيف ليوضح لأتباعه المعنى الحقيقي للموت والحياة، إذ يعتقد الإمام عليه السلام أنّ الحياة الحقيقيَّة تختلف عن الحياة الحيوانيَّة. إذا كان ثمن البقاء على قيد الحياة سقوط الحقّ فإنّ هذه الحياة هي بمثابة الموت، لأنَّه لا قيمة لحياة في ظلال الكفر وسلطة الباطل. أمّا الحياة الحقيقية فتتحقق في ظل الإسلام، حتى لو بذل بعض الناس نفسه في سبيل إعلاء الأهداف الإيمانية الإلهية فإن موته ليس موتاً حقيقياً، بل وصول إلى الحياة. إذاً، فالحياة الحقيقية تتحقق حتى عند الموت الذي يؤدي إلى النصر والرفعة.

* الحياة بغاياتها
لذا، يجب أن نصحّح مفاهيمنا حول الموت والحياة. فالحياة نوعان: أحدهما الحياة الظاهرية والحيوانية التي تعني مجرد التنفس والأكل والشرب وجميع الحركات الطبيعية التي تصدر عن الموجود. هنا تصبح الحياة شكلاً مما يعيشه باقي الحيوانات وتصبح علامات الحياة هي نفسها الموجودة عند باقي الموجودات الحية. والثاني الحياة المعنوية، هذه الحياة التي تمتلك مفهوماً خاصاً عند الإنسان غير موجود عند الحيوانات الأخرى. ملاك ومعيار هذه الحياة هو الحركة المستمرة في سبيل أهداف الحياة الإنسانية. لماذا يعيش الإنسان صاحب الهدف؟ هل حياته من أجل المأكل والملبس والنوم...؟ أم أن هذه الأمور مقدمة للوصول إلى السعادة الدائمة؟ الإنسان الذي يطلب الكمال يعتبر الحياة الحيوانية وسيلة تهيئ الأرضية للوصول إلى السعادة الأبدية. تمتلك هذه الوسيلة قيمة عالية في خضم الهدف وإلا فلا أهمية لها بشكل مستقل. إذاً، الحياة الحقيقية للإنسان تتحقق ما دام يتحرك في مسيرة طاعة الله وعبادته والدفاع عن دين الله. ولكن إذا كان استمرار الحياة على حساب تزلزل الدين فلا يبقى أي مجال للرجحان. إذا تجاوزنا التعريف العادي والحيواني للحياة، يمكننا أن نشاهد أن الموت الشريف هو الحياة الحقيقية. وكل شهادة في سبيل الله تعالى هي موت عزيز، لأن الشهادة إحياء الدين وللهدف الإلهي. وعندما يصل الإنسان إلى مرتبة الشهادة فإنه بذلك يكون قد وصل إلى الحياة الخالدة والرزق الإلهي ورضوان الله الأكبر. من هنا نفهم لماذا كان إمام الأتقياء علي بن أبي طالب عليه السلام يتمنى الشهادة مراراً ومراراً حيث كان يعتبر الشهادة كرامة من الله لا يصل إليها إلا ذو الحظ العظيم.

* طريق الأولياء والصالحين
ومن النتائج الأخرى والهامة للموت والشهادة في سبيل الله إحياء الدين الإلهي، الذي هو كالمشعل المضي‏ء الذي ينير للسالكين طريق الحق. وهذا طريق سلكه الأولياء والصالحون. وإذا ما قُدِّر لدين الله أن يستمر بكل عظمته منذ أول البعثة وحتى يومنا هذا فما ذلك إلا لتضحيات الأولياء والصالحين. ولو لم تكن هناك عاشوراء فماذا كان ليبقى من الإسلام المحمدي الأصيل؟! ويظهر في كلام الإمام علي عليه السلام أن الجهاد إنما هو لأجل إعلاء كلمة الله وإنارة طريق الحق والهداية أمام البشرية كافة. فللجهاد في سبيل الله ثمار عديدة تبدأ من إزالة العوامل التي تمنع السعادة عن البشر، والقضاء على الظلم والفساد والحصول على الحياة المعنوية. وعليه من المهم التضحية بالحياة المادية من أجل الحياة المعنوية.


 (1) نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، الشريف الرضي، ج 1، خطبة رقم 51، ص 100.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع