ديما جمعة فوّاز
كثيرة هي الأسماء التي يذكرها التاريخ فلا تفارق صفحاته أبداً، أغلبها لرجالات أحدثت تغييراً في حياة الشعوب ومنحت العالم مساراً مختلفاً.. ولكن قلة من لا حاجة لهم بمناسبة تذكرنا بهم، ولا لكتاب يخلدهم أو صفحات تؤرشف عطاءاتهم.. ببساطة لأنهم جُبلوا في النفوس وتغلغلوا فصاروا جزءاً من حياة الناس وثقافتهم.
من منا لم يلتق يوماً أخاً ارتحل شهيداً؟ وبعضنـا نال شرف أن يكون للشهيد قريباً. نراهم كيفما التفتنا، في شعاع صباح البقاع ونسمة ربيع الجنوب، في زخ المطر على قمم الجبال الشامخة وصوت الأطفال يلهون بين أزقة ضواحي المدينة، فكيف ننسى مَن بركاتُ دمائه أينعت حريةً وعزاً؟ لا يغيبون عنّا .. نراهم في كل إطلالة له، وحين تحتشد الجماهير قبل ساعات من موعدها معه متدافعة لمرآه، ليظهر من خلف الشاشة قائداً صلباً وتدمع العيون وتُبح الأصوات لقوة النداء، يتساءل من يجهلنا ما سر ذاك الرجل الذي تقاسي لأجله النفوس قيظ الشمس وزخ المطر لتراه حاضراً.. عبر شاشة كبيرة؟!
هم لا يعرفون أنه في صلابة كفه قبضة الشيخ راغب حرب وفي صدق عينيه يشع السيد عباس الموسوي.. هم لا يدركون أن خيوط عباءته البنية تختصر أسماء آلاف الشهداء. ترى أم الشهيد فيه حب وليدها وتسكن نفس الشيخ الكبير حين يلمح عند كتفه طيف ولده الذي غاب عنه بالأمس والتحق بالركب المقدس.
وحدنا من يدرك نعمة أن يؤم القائد ساحات الجهاد فيطمع أن يرتحل شهيداً ويستمر نهجه فيمن هم خلفه، فخير للقائد أن يكون غائباً حاضراً على أن يكون حاضراً غائباً!