السيد عباس علي الموسوي
وردت الروايات، وبتعدد الطرق واختلاف الأسانيد، أنّ الإمام المهدي عجل الله فرجه يأتي بأمرٍ جديد وسُنّةٍ جديدة وقضاءٍ جديد. ففي الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام يقول: "يقوم القائم عجل الله فرجه بأمر جديد وسُنّة جديدة وقضاء جديد..."(1). وعن أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال وهو يتحدّث عن المهدي عجل الله فرجه ـ: "لكأني أنظر إليه بين الرّكن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد..."(2). وقد وقع في خاطر بعضهم أنه كيف يأتي المهدي عجل الله فرجه بأمر جديد وقضاء جديد؟
وقبل الإجابة عن ذلك ينبغي أن نتوقف عند أمر مهمّ وهو: أنّ المجمع عليه بين أهل الإسلام ومنهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية بحيث لم يشذ منهم أحد أو يخالف هذا الإجماع أنه لا نبيّ بعد رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وكلّ من ادعى ذلك بعد النبي صلى الله عليه وآله هو كاذب خارج عن ملّة الإسلام وعقيدة المسلمين. وأيضاً من المجمع والمتسالم عليه أنّ القرآن هو آخر وحي السماء أنزله الله تعالى على قلب محمد صلى الله عليه وآله، فلا كتاب بعده، ومن ادّعى غير ذلك فهو كاذب منافق.
* جديد الإمام المهدي عجل الله فرجه
إذا عُلمت هذه المقدّمة وفهمنا مضمونها، ينبغي عندها أن نعود إلى أصل موضوعنا ومحلّ حديثنا وأنّه ما هو جديد الإمام المهدي عجل الله فرجه. إنّ أمر المهدي عجل الله فرجه من الأمور العجيبة التي تخرج عن المعروف والمألوف، وبظهوره يغيّر العالم، ويقلب الموازين، وسيقف الناس في زمانه على أمور لم يعهدوها أو يعرفوها، وقد يكونون على غير علم بها أو لم يسمعوها... إن الإسلام اليوم معزول عن الحياة، تعطّلت أحكامه وأبطلت حدوده، أين هو النظام الإسلامي في إدارة البلاد وسياسة العباد؟ كيف تُوزّع ثروات المسلمين وخيرات بلادهم؟ كيف يتم اختيار الحاكم؟ وهل يؤتى بالكفؤ المتمتّع بصفات يريدها الإسلام؟ هل يحكُم بشرع الله وسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله؟
إنّ نظرة سريعة على واقع العالم الإسلامي - بشكل عام - كافية لمعرفة أنه لا إسلام يحكم الحياة لا في السلطة ولا في الإدارة ولا في التشريعات الأخرى، وبالتالي فلا إسلام إلا على الورق. نعم هذا هو واقع المسلمين، تحكمنا القوانين الوضعيّة التي صاغتها عقولٌ بشريّةٌ قاصرةٌ محدودةٌ، وقد تبنّتها الأنظمة القائمة باختيارها أو باضطرارٍ منها تحت عناوين وحجج تخالف أمر الله وأمر رسوله.. وإذا كان الأمر كذلك فعندما يظهر المهدي عجل الله فرجه، يعيد للإسلام الحكم، فيبسط هذا الإسلام سلطانه من أعلى السلطات إلى أصغر الوظائف وأقلّها شأناً، فضلاً عن إقامة العبادات وإعادة الروح الدينية في كل الطبقات وعلى مختلف مستويات الحياة...
* عودة الإسلام حاكماً مطلقاً
إن ما نعيشه اليوم من بُعد عن الإسلام، وما يعيشه الإسلام من غربة، سوف يغيّره المهدي عجل الله فرجه، ويعيد الإسلام المحمدي حاكماً مطلقاً في كل شؤون الحياة وميادينها المختلفة، وهذا هو ما يفسره الإمام الصادق عليه السلام وقد سئل عن سيرة المهدي وكيف تكون بقوله: "يصنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله أمر الجاهلية ويستأنف الإسلام جديداً"(3). فهذا الحديث الشريف يلقي أضواءً منيرة على أن المهدي عجل الله فرجه لا يخرج عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله ومسيرته، بل يقتفي أثره ويقتدي به.
فالبشرية تعيش الجاهلية اليوم فنحن نرى الظلم والاضطهاد والقهر للشعوب وللأفراد، ونرى كيف ينزوي الإسلام في المساجد، وتختصر أحكامه في عبادات أُفرغت من مضمونها وأصبحت تقليداً متبعاً... إنّ من أبرز مهام المهدي عجل الله فرجه أن يهدم الجاهليّة الحديثة كما هدم جده الرّسول الجاهليّة القديمة ثم يعيد للإسلام وجوده في حياة الأمة وحركتها وفي كل الحقول والميادين. وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول صلى الله عليه وآله في بدء الإسلام إلى أمر جديد"(4).
فالمهدي هنا يحذو حذو رسول الله صلى الله عليه وآله في الدعوة إلى الإسلام، وهذا ما فسّره الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير حينما سأله عن قول أمير المؤمنين عليه السلام "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء"، فأجابه الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "يا أبا محمد إذا قام القائم استأنف دعاءً جديداً كما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله"(5). وقوله عليه السلام: "وسيعود غريباً" أي يعود إلى مثل الحالة الأولى في العاملين بشرائعه والقائمين بوظائفه لا أنه -والعياذ بالله - تمحى سماته وتُدرس آياته.
* معاناة الإمام عجل الله فرجه
ومن هنا تنفتح أمامنا الأخبار التي تدلّ على مدى معاناة المهدي عجل الله فرجه ممّن يواجههم بحيث تكون المواجهة له أشدّ من مواجهة جفاة الجاهلية لجدّه صلى الله عليه وآله؛ ففي الحديث عن الفضيل قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشدّ مما استقبله رسول الله صلى الله عليه وآله من جهال الجاهلية، فقلت: وكيف ذلك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشبة المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلّهم يتأول عليه كتاب الله ويحتج عليه به..."(6).
إن ما يذكره الإمام الصادق عليه السلام يكشف بوضوح مدى معاناته من الناس الذين يتوزّعون مذاهب مختلفة، وكل أهل مذهب يدعم ما يذهب إليه بحجج وأدلة ويسند معتقده وما يذهب إليه إلى كتاب الله وسنة رسول الله مع براءة الكتاب والسنة من كثير مما يذهبون إليه، إذ الحق واحد لا يتعدّد، وسبيل الله واحد، وطرق الانحراف كثيرة. الإمام المهدي عجل الله فرجه يأتي بالإسلام الذي جاء به جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا هو الشيء الجديد الذي تغيّب عن ساحة الحياة، فأعاد المهدي عجل الله فرجه إليه الحياة وبعثه من جديد ليحكم المجتمع البشري بأسره ويعمّ عدله الكون كله، وهذا هو أهم جديد يأتي به المهدي عجل الله فرجه.
1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 349.
2) كتاب الغيبة، النعماني، ص 139.
3) بحار الأنوار، م. س، ج 52، ص 353.
4) م. ن، ص 338.
5) م. ن، ص 367.
6) م. ن، ص 362.