فاطمة كريم
يجمع أوراقه المبعثرة هنا وهناك، ويضع في صندوقه الدّروع والهدايّا التي طالما زيّنت غرفة عمله المتواضعة. وقبل أن يخرج، يودّع المكتب، الذي طالما تذمّر من ضيقه. يخرج هذه المرة هادئاً بخلاف عادته، وبدلاً من إقفال الباب على عجل يسترسل في توزيع نظراته على كافة أرجاء المكان. وكيف لا، وهو لن يعود إليه صباح اليوم التالي. هذا هو حال أي موظف يبلغ الرابعة والستين من العمر، حيث يُحال إلى ما يُطلق عليه "المعاش" أو "التقاعد". ويُعرّف "التقاعد" بأنه النقطة التي يتوقف الشخص فيها عن العمل. ويختلف سن التّقاعد العادي من بلد لآخر، ففي النمسا يبدأ من الـ 65 عاماً، وفي الولايات المتحدة يحدّد بـ 67 عاماً، أمّا في إيطاليا فهو 68 عاماً.
* أبرز الآثار الاجتماعية
تتمثل أبرز الآثار الاجتماعية لمرحلة التقاعد في ضعف العلاقات الاجتماعية، حيث يفقد المتقاعد الكثير من الأصدقاء والعلاقات التي ارتبطت بالعمل. ومن الآثار المهمة التي يفتقدها في هذه المرحلة العديد من الأنشطة والاهتمامات، التي كانت مرتبطة بالعمل، وكانت تستحوذ على كامل وقته حتى خارج أوقات الدوام. هنا، تبرز لدى المتقاعد مشاكل العزلة وزيادة أوقات الفراغ، أما على الصعيد المادي فانخفاض الدخل الشهري، الأمر الذي ينعكس سلباً على المتقاعد، حيث يُظهر نوعاً من الحساسية الزائدة التي تؤدي إلى الغضب وسرعة الانفعال.
* الأعراض النفسية
هناك العديد من الأعراض النفسية التي قد تصيب المتقاعد، وذلك نتيجة لتدني الصحة الجسدية بسبب تقدمه في العمر، إذ قد يصاب بأمراض القلب والشرايين والسكّر والروماتيزم. كما ويمكن أن يصاب بالاكتئاب والقلق البسيط، وازدياد الشعور بعدم القيمة والحاجة إليه من قبل المجتمع والأسرة. وهنا يبرز دور الأهل والأبناء، حيث ينبغي لهم إحاطة المتقاعد ومنحه الحب والحنان والاحترام والاهتمام، وذلك من خلال الزيارات المتقاربة، والاتصالات الهاتفيّة المتكرّرة، ممّا يعطيه الثّقة والإحساس بأهميّته ومكانته. كما أنّه يوجد دور للمتقاعد نفسه حيث يجب عليه تقوية علاقته الاجتماعية، وذلك تفادياً للشعور بالوحدة.
* لا لنهاية الخدمة
يخطئ المتقاعد عندما يظنّ بأنّ دوره قد انتهى في نهاية خدمته كموظف، وذلك لأنّ دور الفرد في المجتمع لا يقتصر على وظيفة معيّنة. وهناك رأي لأحد علماء الاجتماع في هذا المجال حيث يورد في أحد كتبه أنه: "لا شيء اسمه "المعاش" أو "التّقاعد"، كل ما هناك أنك كُنت تؤدّي عملاً ما، وعليك الآن أن تؤدي دوراً آخر. إذ ربما الأول كان مفروضاً عليك بحكم الظروف، أما العمل الجديد فإنّك تختاره وتؤديه طواعية". من هنا، يمكن للمتقاعد الذي يرغب بالاستمرار في العمل، أن يفحص مهاراته جيّداً، حيث إنّه لا مانع من التقّدم لفرصة عمل في مجال اختصاصه وخاصةً إن كان من ذوي المهارات، أو المدرّسين، أو الأطباء، أو من الذين يعملون في البناء، فإنّ الفرص كبيرة للحصول على أعمال كثيرة، أبرزها الأعمال الاستشارية في مجال عمله.
* 7 نصائح لتقاعدٍ مُريح
يستطيع المتقاعد أن يستثمر وقته فيما يفيده أو يسليه. والخيارات كثيرة جداً لكننا ومن باب توفير النصح والإرشاد اخترنا سبع نصائح تضمن بعون الله للمتقاعد حياة سعيدة ومريحة:
الاتجاه إلى الدين: فهو يُشكّل حافزاً قوياً لإدراك التكيّف النفسي والتوافق الاجتماعي.
قراءة القرآن الكريم: فهو جلاءٌ للقلوب، ومهدئ للنفوس، وموّجهٌ للفكر.
ممارسة الرياضة: وخصوصاً رياضة المشي، فهي كفيلة بتنشيط الذهن وصفائه، كما أنها تساعد على التخفيف من القلق والاكتئاب والمشاكل النفسية.
المشاركة في العمل التطوعي: حيث إنه يُرضي الذّات.
مزاولة بعض الهوايات: كالرسم، الموسيقى، الأشغال اليدوية، والنحت ..الخ
تنشيط الذاكرة عبر الأنشطة الفكرية: كالمطالعة وحلّ الكلمات المتقاطعة.
قضاء الوقت الممتع مع الأهل والأحفاد.
وتذكر المقولة الشهيرة "الحياة تبدأ بعد الستّين".