الشيخ عليّ الهادي
إنّ الارتباط بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من أشرف الأهداف التي يسعى إليها الإنسان المؤمن؛ فمن خلال توطيد علاقته بإمام زمانه، يبقى على صلة دائمة بمحضر وجوده، فلا ينفكّ عنه، ولا يغيب عن باله، وحركاته، وسكناته، بل يبقى الإمام حاضراً في وجوده كلّه ليلاً ونهاراً.
وهذا الارتباط له جوانب عديدة: كالارتباط المعرفيّ والعقديّ، والارتباط التشريعيّ، والارتباط المعنويّ والروحيّ. وسوف نشير في هذه المقالة إلى النوع الأخير.
•مفهوم الارتباط
الارتباط يعني العلاقة الشديدة والقويّة، والمواظَبة على الأمر، "ربط: رَبَطَ الشيءَ يَرْبِطُه ويَرْبُطُه رَبْطاً: شدَّه... والرِّباطُ: المُواظَبةُ على الأَمر... والرِّباطُ: الفُؤَاد كأَنَّ الجسم رُبِطَ به..."(1).
والعبارة الأخيرة تكشف عن أنّ الارتباط لا يشترط فيه أن يكون محسوساً فقط، بل يمكن أن يكون معنويّاً، فالقلب هو ما يرتبط به كامل الجسد ارتباطاً معنويّاً.
ومن هنا، يمكن أن يفسَّر الارتباط الروحيّ والمعنويّ بأنّه: الارتباط الوثيق العميق من خلال تنمية العلاقة مع وليّ الله والمواظبة عليها، والانتظار الدائم لألطافه وعنايته.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "... فالذي يؤمن بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف سيُوفَّق أكثر للحصول على وسائل الكمال الروحيّ والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه سيكون مرتبطاً ارتباطاً روحيّاً بمحور الألطاف الإلهيّة، ومركز إشعاع رحمة الباري عزَّ وجلَّ.
وهذه المسألة ذات أُفق واسع جدّاً؛ لأنّ كلّ من يرتبط بقلبه وروحه بهذا الإمام المعصوم، سينال نصيبه من هذا الارتباط قطعاً. وطبعاً، يجب أن يكون ارتباطاً حقيقيّاً؛ لأنّ لقلقة اللّسان لا تنفع كثيراً في هذا المجال. ولو توجّه الإنسان بروحه، ووفّر لنفسه معرفة كافية في هذا المجال، فسيحصل على نصيبه من ذلك كما قلت..."(2).
إذاً، فكيف يمكن لنا أن نرتبط بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في عصر الغيبة الكبرى ارتباطاً معنويّاً، وثيقاً، وشديداً؟
•شروط الارتباط المعنويّ
1- الإيمان به عجل الله تعالى فرجه الشريف:
عن الإمام الحسين عليه السلام: "طوبى لمن لقيه، وطوبى لمن أحبّه، وطوبى لمن قال به"(3).
2- معرفة مقامه المعنويّ:
هو الوليُّ الأعظم والإنسان الكامل، وواسطة الفيض لهذا الوجود. ومنشأ هذا الكمال هو الإمداد الغيبيّ، والعناية الإلهيّة به، فعن أبي حمزة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: "لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت"(4).
3- معرفة دور رقابة الإمام وعرض الأعمال عليه:
فقد ورد عن بريد العجلي قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105)، قال: "إيّانا عَنَى"(5).
•أنحاء الارتباط المعنويّ بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ الارتباط المعنويّ بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف على نحوين:
أ - ارتباط مؤقّت:
ونقصد بالارتباط المؤقّت؛ الارتباط الذي يكون في أوقات ومناسبات معيّنة ومحدّدة خلال السنة، ومنها: ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، قراءة دعاء الافتتاح، ذكرى ولادة وشهادة المعصومين عليهم السلام... إلخ.
ونلفت هنا، إلى أنّ هذا الارتباط المؤقّت يجب أن يكون مستمرّاً في كلّ مناسبة، وأن يواظب على فعله؛ لكي تشتدّ وتتوثّق علاقته بإمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ب- ارتباط دائم:
وهو عبارة عن الاتّصال المعنويّ المستمرّ بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ بحيث لا يغيب حضوره عن خاطر المؤمن أبداً، فيتذكّره ليله ونهاره، عند قيامه وجلوسه، في حزنه وفرحه، في وقت طعامه وشرابه...، ليشعر المؤمن بوجود الإمام من خلال حركته اليوميّة.
وأيضاً، أن يكون هذا الاتّصال الدائم في مختلف الممارسات العباديّة والمعنويّة -كما سوف نشير إلى بعضها- في حياته، فمثلاً: عندما يقوم الإنسان إلى الصلاة، فليتذكّر أنّ إمامه يصلّي في هذا الوقت، وأنّ صلاته سوف تُرفَع مع صلاته، فيجب أن يؤدّيها بحضور وخشوع قلب، وعندما يتصدّق، فليشرك إمام زمانه بالأجر والثواب، وعندما يذهب إلى زيارة المشاهد المقدّسة، عليه أن يدرك إدراكاً حقيقيّاً أنّ إمامه حاضر في تلك المشاهد، ويرى إقبال شيعته على زيارة أجداده، فيشركه في الزيارة والدعاء، ويدعو له أيضاً.
وعندما يقرأ دعاء العهد، فليدرك أنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يسمع صوته، وينتظره، فليستعد للظهور.
وعندما يقرأ الإنسان المؤمن القرآن، عليه أن يدرك أنّ القرآن الناطق يسمع صوته ويرى مكانه، فيقرأ القرآن بقلب خاشع، ويُشرك إمامه في الأجر والثواب، بل ويهديه أجر تلك القراءة؛ لتعجيل ظهوره...
•أنواع العلاقة المعنوية والروحية بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ للعلاقة المعنويّة بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف نوعين:
النوع الأوّل: الأعمال القلبيّة:
وهذه الأعمال كثيرة، نذكر بعضاً منها:
1- إظهار الشوق إلى لقائه: وهو من علامات المحبّين، ومن لوازم المحبّة التي لا تنفكّ عن الأحبّة؛ فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام يصف المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: "... اللهمّ، فاجعل بعثه خروجاً من الغمّة، واجمع به شمل الأمّة، فإن خار الله لك فاعزم، ولا تنثن عنه إن وفّقت له، ولا تجوزنّ عنه إن هديت إليه، ها -وأومأ بيده إلى صدره شوقاً إلى رؤيته-"(6).
2- خشوع القلب لذكره: من خلال المراقبة والحضور في مجالس أحبّائه وتذكّر حقوقه ومصائبه، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ﴾ (الحديد: 16).
3- الحزن والبكاء على فراقه: لا ريب في أنّ غيبة مولانا الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف من أعظم ما يكون سبباً لحزن الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم، عن الإمام الصادق عليه السلام: "نفَس المهموم لنا، المغتمّ لنا تسبيح، وهمّه لأمرنا عبادة..."(7).
النوع الثاني: الأعمال الجوارحيّة(8):
وهذه الأعمال كثيرة، نذكر بعضها:
1- الأدب عند ذكره: بأن لا يذكر الإمام عليه السلام إلّا بألقابه المباركة، مثل: صاحب العصر والزمان، صاحب الأمر... إلخ.
2- تجديد البيعة: كما ورد في دعاء العهد: "اللهمّ إنّي أجدّد له في صبيحة يومي هذا، وما عشت من أيّامي عهداً وعقداً، وبيعة له في عنقي..."(9).
3- زيارته: ينبغي زيارته في كلّ يوم بقراءة زيارة آل ياسين(10)، وزيارته في بعض الأمكنة؛ كالمساجد، والمشاهد المقدّسة.
4- أداء العبادات نيابة عنه: وذلك بأداء العبادات التي تصحّ فيها النيابة، وهذا يشير إلى صلة وبرّ ومودّة من المؤمن إلى إمام زمانه.
5- التصدّق عنه نيابة: هذا ما أوصى به السيّد علي بن طاووس، وأمر به ولده في كتاب (كشف المحجّة)، حيث قال: "والصدقة عنه قبل الصدقة عنك ومن يعزّ عليك..."(11).
6- التوسّل والاستشفاع به: إنّ الإمام عليه السلام باب الله الذي منه يؤتى، والسبيل والمسلك إلى رضوانه، وهو الشفيع. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "إنّ التوسّلات الموجودة في الزيارات المختلفة، لبعضها أسانيد جيّدة وقيمةٌ عالية، لكنّ التوسّل، والتوجّه، والأُنس بهذا الإنسان العظيم عن بعد لا يعني أن يدّعي أحد أنّني سأصل إلى محضره...، وذاك التوسّل توسّل عن بعد، وعندما يسمعه الإمام منّا، سيقبله، إن شاء الله".
ويدعو دام ظله إلى جعل هذا التوسّل تكليفاً وفريضة، يجب أن تقام بشكل دائم، حيث يقول: "... فليجعل كلّ واحدٍ من أبناء مجتمعنا توسّله بوليّ العصر وارتباطه به، ومناجاته معه، وسلامه عليه، وتوجّهه إليه تكليفاً وفريضةً..."(12).
7- الاستغاثة به وعرض الحاجة عليه: هو غياث لمن استغاث به، وهو الكهف الحصين وغياث للمضطرّ المستكين، وملجأ الهاربين، وقد ورد في الزيارة الجامعة: "فاز من تمسّك بكم، وأمن من لجأ إليكم"(13).
8- الدعاء لأنصاره وخدّامه: ورفع الصوت في الدعاء له، وخصوصاً في المجالس والمحافل العامة، كدعاء الفرج، وآخر دعاء الافتتاح.
1.لسان العرب، ابن منظور، ج7، ص303.
2.الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، الإمام الخامنئي دام ظله، ص43.
3.عيون أخبار الرضا عليه السلام، الصدوق، ج1، ص65.
4.الكافي، الكليني، ج1، ص179.
5.وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج16، ص133.
6.الغيبة، النعماني، ص222.
7.الكافي، (م. س)، ج2، ص226.
8.راجع حول هذه الآداب وغيرها: مكيال المكارم، الأصفهاني، ج2، ص129؛ وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام، الأصفهاني، ط2 (كامل الكتاب).
9.المزار الكبير، المشهدي، ص664.
10.الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص316.
11.كشف المحجة لثمرة المهجة، ابن طاووس، ص152.
12.من كلمة له بتاريخ 21/01/1366هـ.
13.عيون أخبار الرضا عليه السلام، (م. س)، ج2، ص307.