إيفا علويّة ناصر الدين
صبي لا يتجاور عمره العشر سنوات، كان يقف في مكانه المخصص إلى جانب عاملة الصندوق في إحدى التعاونيات لتأدية وظيفته في توضيب أغراض المشترين، ونقلها في عربة التسوق إلى سياراتهم المركونة في الموقف المجاور. لم تخفِ الحماسة والاندفاع التي كان يجر فيها عربتي آثار التعب والإرهاق التي بدت واضحة عليه بعد نهار شاق في عمل مثقل بحمولة تزيد عن وزنه أضعاف الأضعاف!
أسئلة كثيرة اشتعلت في ذهني وأنا أرافقه في مشوارنا القصير، فالوقت لا يسمح لذا اقتصرت على سؤالي الوحيد والذي كان مفتاحاً للقصة برمتها، فقد بدا عليه كمن وجد ضالته ليفرغ حمولة نفسه التي يزيد ثقلها على حمولة العربة أضعاف الأضعاف.
ـ كم تتقاضى شهرياً؟
ـ لا شيء..، سكت برهة بعدما لاحظ استغرابي الشديد ثم أكمل: والله، لا شيء، أنا وحظي.. هكذا اتفقوا معي هنا، أنقل الأغراض وأنتظر كرم الزبائن.. بعضهم يعطيني ألفاً أو ألفين.. أحياناً أذهب إلى المنزل بمبلغ خمسة أو عشرة آلاف، وأحياناً أجمع أكثر، وأحياناً أعود وجيوبي خالية. أنا مضطر للعمل فنحن فقراء و....
أنهى مهمته، أخذ نصيبه شاكراً، وعاد أدراجه مسرعاً، وتركني في خضم مشاعر متماوجة بين الدهشة والاستغراب والحيرة والاهتمام وحرقة القلب والأسى، ليس على موضوع عمالة الأطفال أو على أحوال المساكين والفقراء فحسب، بل على قساوة القلوب فكم من المشاهد التي تمر أمام أعيننا يومياً فنمر من أمامها مرور الكرام.. ولا من يسأل!