نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: صبحيّة علي زراقط.
محلّ الولادة وتاريخها: النبطيّة 2/4/1985م.
رقم القيد: 559.
الوضع الاجتماعي: متأهّل وله ولد.
مكان وتاريخ الاستشهاد: سوريا، الغوطة الشرقيّة 22/10/2013م.
قرّبت أمّه وجهها من وجهه، في ساعاته الأولى، ونظرت من شبّاك السيارة لتؤذّن في أذنيه أذان النصر الأوّل، فهاهنا كان معتقل "أنصار"، قد صار خراباً، وهنا حاجز لم يبقَ منه إلّا رائحة بارود المجاهدين، وهذه فلول الجنود الصهاينة المهزوميـــــــــن، يلملمون عتادهم، ويركبــون ملّالاتهم، ليتراجعــــــوا إلى ما أسمَوه الحزام الأمنـــــيّ الحدوديّ.. إنّه الانسحاب الأوّل للعدوّ الإسرائيليّ بعد سلسلة من الضربــــــات الموجعة.. إنّها مقدّمة الانتصار الكبير.
* طفولة حالمة
لطالما أحبّ أمين أن يسمع حكاية النهاية الأولى هذه، وكثيراً ما سأل قلبه عن المقاومين الذين رسم ظلالاً لهم في أحلامه: ترى كيف لا يخافون الموت؟ سؤال غاب مع اندحار العدوّ الإسرائيليّ في أيّار من العام 2000م، وقد ظنّ أنّ تلك الحقبة انتهت، وبدأت معها مرحلة جديدة.. فعاش عمره في القرية يرتع في حقولها، يقطف الهليون والصعتر والأعشاب البرّيّة، ويقسّم حصاده بين أمّه والجيران.. كان فتى مسالماً، لا تذكر أمّه أنّ أحداً اشتكى أو تذمّر منه يوماً؛ بل على العكس، كان عوناً للناس، يحبّ المساعدة.
* اسمٌ على مسمّى
عمل أمين في محل ألمينيوم، وكان عمره لا يتجاوز الثانية عشرة. وفي أحد الأيّام، أراد صاحب المحلّ أن يختبر أمانته، فوضع سلسلةً ذهبيّة في المحلّ، وتعمّد عدم التواجد في مكان العمل في ذلك اليوم. وما إن عاد حتّى أعطاه أمين السلسلة، فاطمأنّ الرجل أنّ محلّه في يد "أمينٍ".
* قصّة الشيخ إبراهيم
قبل النوم، في كلّ ليلة، كانت أمّه تخبره وإخوته قصّة جدّها الشيخ إبراهيم من بلدة هونين، وكيف أنّه كان من الزوّار الدائمين للإمام الرضا عليه السلام، على الرغم من صعوبة السفر على الجمال في ذلك الوقت. سمع أمين الكثير من الحكايا عنه، ولكنّ أكثر ما أثّر به هو قصّة صرّة المال، تلك الصرّة التي وجدتها زوجة الشيخ ذات نهار في كيس البرغل، ظنّاً منها أنّ زوجها خبّأها هناك لتسدّ بالمال رمقها ورمق أولادها. وعندما عاد الشيخ إبراهيم، لامَته زوجته على وضع الصرّة في كيس المونة، فأخبرها أنّه ليس هو من فعل ذلك، وأنّه لم يملك المال أصلاً ليضعه هناك، بل كلّ ما قام به قبل السفر أنّه توجّه للإمام الرضا عليه السلام قائلاً: "عائلتي أمانتك".
* رعاية أهل البيت عليهم السلام
ظلّت هذه القصّة ماثلة أمام أمين، وظلّ هذا الشعور برعاية أهل البيت عليهم السلام، يرافقه دوماً في تفاصيل حياته كلّها، حتّى بات المسار الذي رسم له عناوين حياته اللاحقة.
* حياة طيّبة
كبر أمين وشظف العيش يحفُّ بابتسامته الهادئة وخفّة ظلّه. كان جميل المعشر، وحَسَن الخُلق، حتّى عندما يغضب، كان يسارع إلى ضبط نفسه، والتفكير في حلٍّ هادئ للأمور، فكان شعاره أنّ الكلمة الطيّبة تُنبت حياةً طيّبة.
* كادٌّ ومجاهدٌ
عندما اندلعت الحرب في سوريا، قرّر أمين الالتحاق بصفوف المجاهدين للمشاركة في الدفاع عن المقام. وها هو مؤذّن الجهاد يؤذّن للمثول بين يديه، فخضع للدورات العسكريّة، وصار يغيب من دون أن يعرف أحد عنه شيئاً.
تزوّج أمين ورزق طفلاً أسماهُ محمّداً. وهكذا، اختصر حياته بين سوريا، والمحلّ الذي فتحه ليعمل من خلاله، وعائلته. فكان إنْ عاد من عمله الجهاديّ ليلاً، فتح محلّه صباح اليوم التالي، ليعمل بجدٍّ وكدّ، وقد اشتهر بدقّته في مواعيد تسليم ما يُطلب منه، وكان همّه الوحيد كفاية عائلته، أمّا الناس الذين كانوا يخلفون معه في تسديد ما يتوجّب عليهم، فكان يقول عنهم: "الله يسامحهم".
* قائمٌ وعابد
لم يسمح أمين لظروف عمله الضاغطة أن تؤثر على وقت عبادته الذي خصّصه للكثير من المستحبّات. وعلى الرغم من أنّه التزم في سنِّ التكليف، إلّا أنّه قضى سنوات صلاة وصيام عمّا في الذمّة. كما وكان يصلّي صلاة الليل، وإذا ما أخذه التعب ذات ليلة، صلّاها قضاءً في الصباح. أمّا "صلة الرحم"، فكانت من المسلّمات لديه، إذ كان يخصّص نهار الجمعة من كلّ أسبوع لزيارة عددٍ محدّدٍ من الأقارب.
* إحياءٌ من نوعٍ خاصّ
لم يَحُلِ العمل الجهاديّ بين أمين وأعماله العباديّة، لا بل راح يعلّم من كان معه من المجاهدين في سوريا أعمالاً ومستحبّات، وخصوصاً صلاة الليل. وفي آخر شهر رمضان له في هذه الدنيا، أحيا ليلة القدر، ليلة استشهاد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، في مقام السيّدة زينب عليها السلام، حيث كان المقام محاصراً، ولكنّها كانت من أجمل ليالي العمر التي انقطع فيها أمين إلى الله..
* كتمانٌ شديد
بكثيرٍ من السريّة أحاط أمين عمله، فلم يعلم أحد أنّه كان يرابط في سوريا؛ ذلك أنّه كان عليه مواكبة المرابطات في سوريا بدورات عسكريّة. ولكن عندما صار يتأخّر عن مواعيد عودته في بعض الأحيان، بسبب التطوّرات العسكريّة، عرف أهله أنّه يتردّد إلى سوريا للالتحاق بصفوف المجاهدين، دون أن يبوح بأيّ كلمة عن طبيعة العمل الذي يقوم به.
* بشرى الشهادة
قبل أسبوع من شهادته، رأى أمين جدّه الشيخ إبراهيم وحوله عدد من الرجال، فوقف أمامه وأوصاه بالسيّدة زينب عليها السلام، ثم بدأ يعرّفه بمن حوله، فكان الإمام عليّ الرضا عليه السلام أوّلهم، ثمّ بدأ بتعداد الأنبياء من حوله، وأمين يسأل نفسه مستغرباً: "من أنا ليُعرّفني جدّي عليهم؟! من أنا؟". وما إن فتح عينيه حتّى استبشر بالشهادة.
في زيارته الأخيرة إلى منزله، أوصى أمين أمّه بابنه وزوجته، واتصل بجميع إخوته مودّعاً إيّاهم. وكانت تلك رحلته الأخيرة التي أناخ فيها رحله، فقد تعرّض لكمين في الغوطة الشرقيّة، فاستشهد مستبشراً وافياً بما عاهد الله عليه.