زينب شمص
درجت في الآونة الأخيرة بعض القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية على تقديم برامج
فكاهية مبتذلة تغزو المبادئ والأخلاق في الصميم. وقد باتت هذه المحطات تتسابق فيما
بينها لعرض "النكتة" أو "الطرفة" المهيجة للغرائز البشرية. والأخطر أن هذا النوع من
البرامج يستهدف بل ويستهوي جيل الشباب ويبدو أنه جزء من الغزو الثقافي الغربي
لحضارتنا وثقافتنا، فكيف نحمي أُسرنا ومجتمعنا من هذا الغزو؟ إن الاتجاهات الفكرية
الحديثة التي ظهرت في الغرب خلال القرنين الماضيين اتخذت موقفاً مضاداً للفكر
الديني ودعت إلى الحرية في شتّى نواحي الحياة واتخذت طريق إشاعة الشهوات وفتح طرق
الانحلال وتحطيم أواصر الحشمة في العلاقة بين المرأة والرجل. يقول الإمام
الخامنئي"دام ظله" في هذا الصدد "واحدة من وسائل الغزو الثقافي تمثلت في السعي
الحثيث لصرف الشباب عن التمسك الصلب بالإيمان، والإيمان هو الذي يحفظ الحضارة..."
(1).
* غزو ثقافي برّاق
وقد بات هذا النوع من البرامج جزءاً من الثقافة الاستهلاكية الخاطئة والتي تُفرض
فرضاً على مجتمعاتنا والتي تحمل في طياتها جميع أنواع المفاسد والرذائل التي دفعت
بها الحضارة الغربية بين ثنايا المعطيات الجيّدة لهذه الحضارة من قبيل الصناعة
والعلم وروح البحث والتحقيق. إذاً، فقد أبتُلي المجتمع بتلك المفاسد الوافدة عبر
برامج وضيعة، والأكثر من ذلك أن المروّجين لها لا يأخذهم شيء من الحياء أو الخجل،
فهم على العكس يفتخرون بما يقولون من لغو الحديث والكلام المبتذل حيث يتم اللعب على
وتر المبادئ الأخلاقية والفضائل. وهذا الأمر له بُعد كبير يتمثّل بالغزو الثقافي
لمحاولة تفتيت أغلى ما لدى هذه الأمّة وهو القيم والفضائل والدّين. وقد صرّحت الآية
الشريفة عن هذا المعنى
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ
الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾
(لقمان: 6).
* الدعابة وحسن الخلق
لكن ذلك لا يعني أن الإسلام حرّم الفرح والسرور والدعابة بل على العكس فإن الشرع
الحنيف جاء بكل قواعده ليوصل الإنسان نحو السعادة الحقيقية والسرور، وقد أكّد على
استحبابية إدخال السرور على قلوب المؤمنين. وقد سأل الإمام الصادق عليه السلام أحدَ
أصحابه: "كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ فقال: قليل، قال عليه السلام: هلاَّ تفعلون فإن
المداعبة من حسن الخلق وإنك لتدخل بها السرور على أخيك، ولقد كان رسول الله صلى
الله عليه وآله يداعب الرجل يريد أن يُسرّه" (2).
إذاً فالمداعبة أو المزاح اللطيف
مباح، بل مطلوب في بعض الأحيان لكن يجب أن يبقى ضمن الضوابط العامة وخاصة من ناحية
مضمون الكلام. وهذا النوع محبَّب لأنّ له بُعداً إنسانياً حيث يساعد الشخص المهموم
والمكروب في تخطي الأزمات. وقال الإمام علي عليه السلام: "أحسن الكلام ما لا تمُجّه
الآذان ولا يُتعب فهمه الأفهام" (3). لذلك فإنَّ خير الكلام يجب أن يكون من ثقافة
القرآن ومن مناهل العظام من محمد وأهل بيته عليهم السلام.
(1) العالم الإسلامي والغزو الثقافي، الإمام الخامنئي"دام ظله" .
(2) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 663.
(3) ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 3، ص 2741.