مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عام الهمة المضاعفة: الأسباب والأهداف


مقابلة مع المستشار الثقافي للسفارة الإيرانية في لبنان
حوار: عدي الموسوي


كما درجت العادة عند سماحة الإمام الخامنئي دام ظله مع إطلالة كل عام جديد، فقد أطلق سماحته شعاراً جديداً وسم به العام الجاري، حيث أعلن هذا العام عام الهمّة المضاعفة. حول هذا الموضوع التقت مجلة بقية الله سعادة المستشار الثقافي للسفارة الإيرانية في لبنان السيد محمّد حسين رئيس زاده، حيث كانت البداية حول توضيح معنى الهمّة المضاعفة لدى سماحة الإمام الخامنئي، فقال: إن الهمّة المضاعفة إنّما تعني الرؤية الشموليّة للإنسان وعدم وقوفه عند الأهداف والتفاصيل الآنيّة الضيقة.

هي تطلّعات الإنسان المسلم نحو الآتي من الأيّام حيث تكون كل جهوده منصبّة لتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهداف إستراتيجية. وهنا تجدر الإشارة إلى كثرة النصوص الإسلاميّة التي تمدح الإنسان الذي لا ينظر بين قدميه، بل يظل يتطلّع إلى الأمام، وإلى تحقيق أهدافه السامية. وليس بعيداً عن هذا الأمر، فلنتوقف عند الأبعاد المختلفة لمنهاج الإمام الخامنئي في منح كل عام عنواناً خاصاً به. بمناسبة عيد النوروز وهو بداية السنة الإيرانيّة الهجرية الشمسية، وهي مناسبة تعتبر رمزاً للحداثة والنشاط، ولترسيخ علاقات المودة بين الأصدقاء والأقرباء يمنح السيد القائد كل سنة من السنوات عنواناً عاماً ويسميها باسم خاص، وهذا الإبداع كان قد بادر إليه الإمام الخميني قدس سره وتبعه عليه السيد القائد طوال سنوات ماضية، وفي هذه السنة أطلق عنوان "الهمة المضاعفة والعمل المضاعف".والواقع أنّ عملية تحديد هذه العناوين إنّما تحصل بما يتلاءم مع الواقع الإيراني أو الإسلامي ومستجدّاته المختلفة، فمثلاً أُعلن قبل سنوات عام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وذلك كردٍّ على قضية نشر الرسوم الكاريكاتوريّة المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان هناك عام الوحدة الإسلامية ردّاً على تصاعد مشاريع المستكبرين الساعية للفتنة بين السنة والشيعة.


في هذا السياق نود توضيح النقاط التالية:
أولاً: ليست هذه العناوين المعلنة أمراً عارضاً ولا شعاراتياً بحتاً، بل هي تستهدف بلورة حركة إستراتجية يبيِّن فيها القائد الهدف الأساسي في العام الجديد للشعب الإيراني.

ثانياً: إنَّ هذه العناوين عند الإعلان عنها لا يقصد منها الالتزام بها على مدى سنة محددة فحسب، بل القصد هو توجيه الشعب إليها وإلى ضرورة العمل على تطبيقها في جميع السنوات. فمثلاً "الهمة المضاعفة" ليست خاصة بهذه السنة بل طوال السنوات، فالشعب الذي يريد أن يتقدم من الواجب عليه التزام مضاعفة الجهود والهمم، وكذلك الأمر في العناوين الأخرى كعنوان "الاعتدال في المصرف" أو"تطبيق القانون في المجتمع".

ثالثاً: إنَّ هذا الأسلوب يندرج ضمن رؤية إستراتيجية يتوخى منها السيد القائد إنتاج ثقافة صحيحة وتطوير الثقافة السائدة في المجتمع؛ فمن مميزات القائد القدير إنتاج مقولات فكرية تحظى بقبول اجتماعي شامل. والسيد القائد في بداية كل سنة يلاحظ الظروف الداخلية والخارجية ويقوم بعملية التسمية، كما أن في ضميره وعقله خطة عامة ورئيسة في بناء الحضارة الإسلامية في البلاد؛ وهذه الخطة تشتمل على عناوين عديدة يحتاج إليها البناء الحضاري. فالإمام الخامنئي يركِّز علي هذه العناوين ليُلفِتَ الأنظار لتوجيه الشعب والمراكز الثقافية والتعليمية والمراكز المسؤولة وذلك من أجل برمجتها ضمن خطط واضحة، والعمل على تنفيذها وتطبيقها في المجتمع. ولكن لماذا كان عام مضاعفة الهمّة في هذا الظرف التاريخي لإيران الإسلاميّة وللعالم الإسلامي؟

في هذه الموضوع، علينا توضيح عدد من النقاط المهمّة:
أولاً: إنّ الفتنة التي حدثت بعد الانتخابات الرئاسية في إيران في العام الماضي سبَّبت العديد من المشاكل للمجتمع الإيراني، ومنها تأخير العمل في بعض المشاريع الإنمائية المختلفة، برغم التمكّن من إطفاء نار هذه الفتنة والانتصار علي هذه المؤامرة الاستكباريّة ضد الثورة. فأراد السيد القائد أن يُلفِتَ الأنظار إلى مواجهة ما حصل من خلال الرد الثقافي.

ثانياً: إنَّ شعار الهمَّة المضاعفة والعمل المضاعف وإن كان يبدو للوهلة الأولى أنّه يشير إلى التنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر، فإنّ هذا العنوان لا يختص بهذا الصعيد بل يشمل جميع الصعد والمجالات الثقافية والاجتماعية وغيرها.

ثالثاً: إنَّ المزاوجة ما بين مضاعفة الهمة ومضاعفة العمل هي أمر ضروري للوصول إلى التقدّم والازدهار، فالهمة المضاعفة بدون العمل وتكثيفه تؤدي إلى عدم الوصول إلى تحقيق الأهداف وتحصيلها. كما أنَّ تكثيف العمل بدون الهمة المضاعفة وعدم الوضوح في الرؤيا وتحديد الأهداف يحدُّ من فاعلية العمل وجدواه. وليس المراد من تكثيف العمل النظر إلى كمّه المنجز، بل من الضروري التوجه إلى تطوير نوعيّة هذا العمل. ثم إنَّ الهمة العالية لا بدّ لها من أن تواكب التطلّعات المستقبلية التي رسمها مجمع تشخيص مصلحة النظام في الجمهوريّة الإسلاميّة وأقرّها السيد القائد الخامنئي دام حفظه.

رابعاً: إنَّ أحد العوامل التي دعت إلى تسمية السنة الراهنة بهذا العنوان هو أنّه قد ثبت للشعب الإيراني أن شعار "نحن نتمكَّن" هو شعار واقعي وحقيقي واستطاع أن يحقّق انجازات كبيرة للأمة الإسلامية في مجالات واسعة من الطاقة النووية والطبِّ والزراعة وحتَّى الصناعات العسكرية المتقدِّمة وغيرها. وقد أراد السيد القائد أن يقول للشعب إننا قادرون على الوصول إلى قمة الانتصار والازدهار والتقدُّم، ولكننا قبل ذلك بحاجة إلى قطع طريق طويل في هذا الصدد. هذا بالإضافة إلى أنّه مع تمتُّع الشعب الإيراني والبلاد بالانجازات التي تحقَّقت في السنوات الماضية، والتي إن كانت عظيمة وملفتة، إلا أنّنا وبمقارنتها بطاقات البلاد وإمكانياتها، وبالأفق الذي رُسم في وثيقة التطلعات المستقبلية للجمهوريّة الإسلاميّة، نرى أنّنا لا بد من أن نستثمر الطاقات أكثر وأن نستفيد من عنصر الزمان أكثر. وهذا ما يحتاج إلى الهمّة العالية والعمل المضاعف.

كيف تجلّت الهمّة المضاعفة في إنجازات إيران الإسلام خلال السنوات الماضية من عمر الثورة؟
إنَّ الثورة الإسلامية، وانطلاقاً من هذه المبادئ المذكورة، استهدفت منذ البداية تقدّم إيران والعالم الإسلاميّ والبشرية كافة في جميع المجالات المادية والمعنوية. ولكن من المعروف أنّه منذ انتصارها إلى الآن واجهت الثورة تحدِّيات وأزمات ومشاكل عديدة، منها الحرب الإيرانيّة العراقية التي فرضت عليها طيلة ثماني سنوات، هذا فضلاً عن الحصار الاقتصادي والعلمي والسياسي والضغوط الأخرى التي نشاهدها حالياً في مجال مشروع الطاقة النووية السلمية. ولكن الشعب الإيراني وتحت قيادة القائد الكبير الراحل الإمام الخميني، والقيادة الحالية للإمام الخامنئي استطاع أن يقهر التحدِّيات بأجمعها، ويقف على قدميه، ويسير بخطوات متسارعة للوصول إلى الأهداف الكبرى خطوة بعد خطوة. وكما تعلمون فإنَّ تقدّم البلاد لا يمكن أن يتحقّق إلاّ عبر مخطط عام يشمل جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وقد قامت القيادة والمسؤولون الإيرانيون بوضع هذا المخطّط وحدود الأهداف الكبرى وأبعادها، حتّى أصبحت على مرمى العين وضمن أفق الأهداف الإستراتيجيّة. وبعد عشرين سنة تحوّل هذا المخطط من خلال السيد القائد إلى ما يشبه الدستور الذي تتولّى تطبيقه السلطات الثلاث: التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائية، فضلاً عن القوى المسلحة والجيش.

طبعاً تنفيذ وتطبيق هذا المخطط الاستراتيجي يحتاج إلى وضع القوانين الخاصة وكذلك إلى تمهيدات كثيرة. وقد مضى خمس سنوات على البدء بتطبيق هذه الإستراتيجية من جانب السيد القائد. ووفقاً لهذا المخطط يجب أن تُصبح إيران البلد الأول في المنطقة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والصناعة والزارعة والطب والعدالة الاجتماعية وتطبيق الديمقراطيَّة الدينية وحقوق المواطنة وغيرها من الأهداف الإستراتيجية والحيوية. كيف تبرز الهمّة العالية كمكمّل أساس لشخصيّة الإنسان المسلم والمؤمن في هذا العصر، وفي كل عصر؟ في النظام الفكريّ والمعرفيّ الإسلاميِّ يُعتبر الإنسان خليفة الله في الأرض ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 30).

وقد أودع الله تبارك وتعالى في الإنسان مختلف الإمكانيات والقوى التي يجب عليه أن يفجّرها كي تُستثمر كلُّ الطاقات بغية وصول الإنسان إلى مقام الاستخلاف الذي أعدّه له الله سبحانه وتعالى. ويتجلّى هذا المقام في تقدّم الإنسان والمجتمع الإنساني في المجالين المادي والمعنويّ. أمّا المؤشر الرئيسيّ على التقدّم في المجال المعنوي فيبرز من خلال ضبط الغرائز والشهوات، وتغليب العقل والمشاعر السامية، واحترام كرامة الإنسان وعزته، بعبارة أخرى هو العبودية والطاعة لله والخضوع والخشوع له، بالاستفادة من العقل والوحي. أمّا المؤشر على التقدم المادي فيتجلّى في حسن استثمار مواهب الطبيعة وثرواتها، وتسخير قوانينها بالاستفادة من العقل والتجربة.

من منطلق هذا المبدأ الرئيس حثّ القادة المعصومون عليهم السلام أبناء الإسلام على الاستفادة من العمر واستغلاله والانتفاع منه، وعدم إضاعته، وبذل الجهد الكبير في سبيل الاستفادة منه لتطوير الفرد والمجتمع -على حد سواء- بما يرضي الله وبما يحقّق للبشريّة سعادتها الدنيوية والأخروية. من هنا نجد في الروايات المأثورة عن الأئمة، قولهم عليهم السلام: من تساوى يوماه فهو مغبون. والجدير بالذكر أنَّ التقدَّم في كلا المجالين (المادي والمعنوي) لا بدَّ من أن يكون متزامناً، وإلاّ كانت ممارسة الاستخلاف على الأرض ناقصةً وغير تامة. إنَّ الوصول إلى هذا التقدّم وأداء دور الاستخلاف في الأرض يحتاج إلى الهمة العالية. وفي الروايات المروية عن المعصومين ما يشير إلى هذا، ويحرِّض المؤمنين على الهمة العالية وتكثيف العمل واجتناب الكسل والبطالة، مثلاً ورد في الروايات: أبغض الخلائق عند الله بطالة في النهار وجيفة بالليل- وفي رواية ثانية: كن جاداً في أمورك مترفِّعاً عن الصغائر طموحاً إلى المعالي- ولا شرف كبعد الهمة.

إنَّ هذه العناوين لا يقصد منها الالتزام بها على مدى سنة محددة فحسب، بل القصد هو توجيه الشعب إليها في جميع السنوات.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع