مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: رحلة العروج إلى السماء


الشيخ تامر حمزة


روى الشيخ الصّدوق قدس سره مسنداً عن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس من شيعتنا من أنكر أربعة أشياء: المعراج، والمساءلة في القبر، وخلق الجنة والنار, والشفاعة". وعن الإمام الرضا عليه السلام: "من كذب بالمعراج فقد كذّب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1)". الإسراء والمعراج لغة: السرى: سير الليل، يقال: سرى وأسرى قال تعالى: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ (هود: 81)(2).  وقال الفراهيدي السرى أي سير الليل، وكل شيء طرق ليلاً فهو سارٍ(3). وأما المعراج: عرج في الدرجة والسلم يعرج عروجاً أي ارتقى.... وعرج الشيء فهو عريج: ارتفع وعلا(4). يعتبر الإسراء والمعراج من جملة الكرامات بل المعجزات التي تضاف إلى مجموعة ما أكرم الله سبحانه وتعالى به نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله، وهما من الحوادث التّاريخية التي جرت لأفضل الخلق وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ. وقد أثبتهما القرآن الكريم والسنّة الشريفة بما ينسجم مع العقل، ومن ناقش فيهما إنما كان نقاشه في بعض التفاصيل والأمور الجزئية.

*الإسراء
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الإسراء: 1). افتتح الله عزّ وجلّ الآية بالتنزيه والتسبيح تمهيداً لذكر الإسراء ما يكشف عن أنه ليس فعلاً عادياً بل هو معجزة وقد جرى برعاية تامة من الله تعالى إذ قال: (أسرى بعبده) دون سرى بعبده وهي التلويح إلى أن الله تعالى كان مع رسوله في إسرائه، بعنايته وتوفيقه كما قال سبحانه وتعالى ﴿فإنك بأعيننا(5). ثم إنَّ إسراءه كان بين أقدس بقعتين وهما المسجد الحرام والمسجد الأقصى. ومن الملفت أن القرآن ذكر بأن الهدف من الإسراء إراءته بعضاً من آياته. وما جاء في هذه الآية الشريفة من إمكان الانتقال بلحظات قليلة بين المكانين المتباعدين, قد ذكر القرآن ما يشابهها من تسخير الرياح للنبي سليمان عليه السلام التي تنقله إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة.

*الإسراء والمعراج بالروح والجسد
بعد الاتفاق على أصل حصولهما وقع الخلاف في أنهما هل حصلا بالروح دون الجسد أم بالروح والجسد معاً؟ فما اتفق عليه أكثر علماء الإسلام هو أن الإسراء والمعراج كانا بالجسد والروح معاً، وأما لو كان بالروح دون الجسد فلا يكون ذلك كرامة فضلاً عن كونه معجزة. مضافاً إلى أنَّ سياق الآية الشريفة المذكورة أعلاه قرينة على أنَّهما حصلا بالجسد والروح. وقد نقل في البحار من التفسير الكبير للفخر الرازي أنَّ أكثر علماء الإسلام قد اتَّفقت كلمتهم على حصولها بالجسد والروح وقد خالف القلة منهم معتبرين أن الإسراء بالروح دون الجسد (6). وأضعف من هذا من ذهب إلى أنَّ ما ذكر هو مجرَّد رؤيا صالحة كما نسب إلى محمد بن جرير الطبري في تفسيره حكاية عن حذيفة عن عائشة أنها قالت: والله ما فقد جسد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. وعن معاوية أنَّها كانت رؤيا صالحة(7). والحق هو ما ذهب إليه شيخ الطائفة حيث قال: عند أصحابنا وعند أكثر أهل التأويل وذكره الجبائي أنَّه عرج به تلك الليلة... وكان ذلك في يقظته دون منامه(8)، وكذلك ما ذكره الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه من أنَّ النبيP قد دخل الجنة ورأى النار حيث عرج(9).

*المعراج: رحلة الثقلين إلى عالم الملكوت
فكما أنَّ جبرائيل هو من عالم الملائكة والتجرّد كان يتكيّف بإذن الله تعالى مع عالم المادَّة حين هبوطه إلى الأنبياء كذلك الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يعتبر جسده من عالم المادة يتكيَّف بإذن الله في عالم الملكوت، وبناء ً عليه فهو يحضر في ذلك العالم بخصائص الثقلين، ويدل عليه ما جاء به التنزيل ونطقت به السنة الشريفة فمن الأوَّل قوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (النجم: 7 – 11). وقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ(الزخرف: 45).

*محطات من المعراج
استغرق الإسراء والمعراج جزءاً من الليل في سفر طويل لا يعلم مقداره إلا الله سبحانه وتعالى. وقد بلغ سبع سماوات وقد رأى في كلِّ سماء ما أوجد الله فيها، وقد لقي في كل سماء ملائكتها حتى السماء الرابعة فيروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فلما بلغت السماء الرابعة نظرت إلى ملك الموت(10). ولمَّا بلغ البيت المعمور وقد حضرت الصلاة أذَّن جبرائيل وأقام فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفّ الملائكة والنبيون خلف محمد صلى الله عليه وآله وسلم (11), ولمَّا وصل إلى السماء السابعة يصحبه جبرائيل سأله عن أشياء رآها فيها.  استمر العروج بهما إلى مكان لم يسمح بعده بالعروج إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما عرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتهى به جبرائيل إلى مكان فخلى عنه، فقال له: يا جبرائيل أتخلّيني على هذا الحال؟ فقال: أمضِه فوالله لقد وطئت مكاناً ما وطئه بشر وما مشى فيه بشر قبلك(12).  والظاهر من الأخبار أنَّ تلك البقعة هي سدرة المنتهى، إذ قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوفي مثل هذه السدرة تخلفني وتمضي؟ فقال: حبيبي، والذي بعثك بالحق نبياً إنَّ هذا المسلك ما سلكه نبي مرسل ولا ملك مقرب. أستودعك ربّ العزة(13). وهنا يروي سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: وما زلت واقفاً حتّى قذفت في بحار النور فلم تزل الأمواج تقذفني..... حتى أوقفني ربي الموقف الذي أحب أن يقفني عنده من ملكوت الرحمن... فنوديت من الملكوت: يا أحمد فألهمني ربي فقلت: لبيك ربي وسعديك(14).... وربّما إلى هذه المنزلة أشارت الآيتان الشريفتان من سورة النجم ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (النجم: 13 – 14). لقد ذكر القرآن الكريم أنَّ الله تعالى أرى نبيه آيات كما في سورة الإسراء حيث قال: لنريه من آياتنا. وكذلك في سورة النجم بإضافة أنَّ من الآيات التي أراه إياها هي الآيات الكبرى. والملاحظ أنَّه تارة ذكرت الآيات مجرَّدة وأخرى بوصفها الكبرى. ولعل هذا الاختلاف من جهة أنَّ ما رآه في السموات السبعة هي الآيات المجرَّدة، أي حين مصاحبة جبرائيل له وأمَّا ما رآه حيث الموقف الذي أحب الله تعالى أن يقفه عنده حين كان منفرداً فهي المتصفة بالكبرى.

*ماهية الآيات؟
أولاً: لقاء الأنبياء ومحادثتهم والصلاة فيهم وفي الملائكة ويدل عليه مجموعة من الأخبار والروايات منها: ما رواه الكراجكي في رواية طويلة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله تعالى إليّ أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بُعثوا. فقلت: على ما بعثتم؟ فقالوا: على نبوّتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما – الحديث (15). وكذلك أورد الشيخ الكليني قدس سره عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة، أذن جبرائيل وأقام فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفّ الملائكة والنبيّون خلف محمد صلى الله عليه وآله وسلم (16).

ثانياً: ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام
ينقل الكراجكي في كتاب كنز الفوائد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى في السماء لمَّا عُرِجَ به ملكاً على صورة أمير المؤمنين عليه السلام ثمَّ علَّق بقوله: وهذا الحديث قد اتفق أصحاب الحديث على نقله(17). وفي أصول الكافي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام... فقال: يا محمد، قال: لبيك ربي، قال: من لأمتك من بعدك؟ فقال: الله أعلم، فقال: علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين قال: ثم قال عبد الله لأبي بصير: يا أبا محمد، والله ما جاءت ولاية علي من الأرض ولكن جاءت من السماء مشافهةً(18).


ثالثاً: عروجه من سماء إلى سماء
اتَّفقت الروايات على أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرج به من السماء الدنيا إلى السماء السابعة وهو يرى ما خلق الله في كلِّ سماء ولم يدع شيئاً إلا سأل عنه جبرائيل.

رابعاً: رؤية النار وخزانها والدخول إلى الجنة.
كثيرةٌ الأحاديث التي تضمَّنت رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنار وما يجري فيها على أهلها من ألوان العذاب على حسب أعمالهم في دار الدنيا وقد نظر إلى مالك خازن النار قاطباً عابساً، فسأل جبرائيل عن سبب اختلاف حاله عن جميع ما رأى من الملائكة، ثم طلب منه أن يريه النار فأخرج للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عنقاً منها فلما أبصرها لم يكن ضاحكاً حتى قبضه الله عزّ وجلّ(19). وأمَّا الدخول للجنة فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أخذ جبرائيل بيدي فأدخلني الجنة وأجلسني على درنوك من درانيك الجنة(20).

خامساً: الآية الكبرى
قال تعالى: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (النجم: 16 – 18). صريح الأخبار أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجاوز في معراجه السموات السبع إلى سدرة المنتهى وإلى ما بعدها وإلى ما بعد السدرة. فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما احتج به على اليهودي: حملت حتى انتهيت إلى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى حتّى تعلَّقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش: إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرؤوف الرحيم فرأيته بقلبي وما رأيته بعيني(21).

*هدية المعراج
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من تقبيل ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام فعاتبته إحدى نسائه فقال لها: إنّه لمّا عُرِجَ بي إلى السماء مرَّ بي جبرائيل على شجرة طوبى فناولني من ثمرها فأكلته فحول الله ذلك ماءاً إلى ظهري..... فما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها(22). خاتمة: ما رآه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو حق وهذا ما أكده القران الكريم بقوله ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى(النجم: 11)، قال ابن عباس: رأى محمد ربه بفؤاده، وعن علي عليه السلام: علمه علماً يقيناً بما رآه من الآيات الباهرات(23).


1- صفات الشيعة، الصدوق، ص 27/28. والبحار، ج 18، ص 312.
2- مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص 231.
3- العين، الخليل الفراهيدي، ج 7، ص 291.
4- لسان العرب، ابن منظور، ج2، ص 321.
5- تفسير التحرير والتنوير، ج 15، ص11/12.
6- البحار، ج 18، ص 284 نقلاً عن تفسير الفخر الرازي.
7- المصدر السابق.
8- تفسير البيان، ج 2، صفحة 194.
9- اعتقادات الصدوق، ص 100.
10 - البحار، ج 18، ص 300 نقلاً من كتاب إيضاح دفائن النصائب.
11- فروع الكافي، ج1، ص83.
12-أصول الكافي، ج1، ص 444.
13- روضة الكافي، ص 279. والبحار، ج 18، ص313.
14- المصدران السابقان.
15- كنز الفوائد، الكراجكي، ص 257.
16- فروع الكافي، ج 1، ص 83.
17- كنز الفوائد، ص260.
18- أصول الكافي، ج 1، ص 443.
19- أمالي الصدوق، ص 357.
20- م.ن، ص250 (والدرنوك هو البساط).
21- الاجتماع، ص 28.
22- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 18، ص 288.
23- بحار الأنوار، العلامة الملجسي، ج18، ص288.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع