نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإسراء والمعراج بالروح أم بالجسد


السيد علي حجازي‏


إن معراج النبي الأعظم صلى الله عليه وآله من القضايا المتسالم عليها لدى جميع المسلمين وحديث المعراج بتفاصيله مروي بطرق عديدة لديهم وهذا الحدث وإن كان جديراً بالبحث لاكتشاف مكنوناته إلا أن أصل المعراج من المسائل التي أخذت قسطاً وافراً من البحث لدى علماء الإسلام. ونحن لا كلام لنا بأصل ثبوت المعراج لكونه من المسلمات وإنما الكلام في أنه معراج بالروح أم بالجسد والروح معاً. والبحث يقع في جهات.

* معجزة المعراج‏:
وهنا نشير إلى أن المعجزة خلاف قانون الطبيعة لا أنها خلاف القوانين العقلية البديهية. وعليه فلا بد من بيان عدم مخالفة المعراج للقوانين العقلية أما المعراج بالروح فمن البديهي عدم مخالفته لأي قانون طبيعي أو عقلي. إذ تجرد الروح يسمح بطيّ كل عوالم الوجود واستشرافها. وأما المعراج بالجسد فيمكن أن يقال أنه خلاف قانون الطبيعة إما بناء على ما كان يقوله القدماء من أن جسد النبي صلى الله عليه وآله لا يمكن له طيّ كل هذه المسافات المتباعدة بليلة واحدة. وذلك لعدم امتلاكه الوسيلة التي تخوله ذلك. وإما لما تقوله النظرية النسبية في الفيزياء الحديثة من أن المادة إذا بلغت سرعتها سرعة الضوء تحولت إلى طاقة وهذا معناه أن جسد النبي صلى الله عليه وآله لا يمكن له أن يطوي هذه المسافات إلا بسرعة تفوق سرعة الضوء بأضعاف. والنظرية النسبية لا تسلم ببقاء الجسد على ما هو عليه وفي مقام الجواب: أما الأول: فكما أجيب بأن اللَّه قادر على تيسير جسد نبيه صلى الله عليه وآله وأن يطوي هذه المسافات بواسطة البراق وأما الثاني: فمع صحة النظرية فمخالفتها ليست مخالفة لاستحالة عقلية بل مخالفة لقانون طبيعي ومن هنا تحتاج مخالفته إلى الإعجاز. والنتيجة أن المعراج بالجسد ليس مستحيلاً بل هو أمر ممكن يحتاج إلى ما يثبته. وأما كونه معجزة مع عدم التحدي فلأن المعجزة على قسمين:

1 - المعجزة التي تكون مع التحدي لاثبات النبوة.
2 - المعجزة لأجل تكميل الرسالة واتمام الإيمان.


ومن أمثلتها فلق البحر لموسى عليه السلام وتسبيح الحصى في يد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وبعض آيات القرآن خاصة التربوية وتلك التي تتحدث عن عالم الآخرة والمعراج من القسم الثاني على أساس أن الرسالة الخاتمة لا بد وأن تستوعب كل عالم الإمكان ولو إحاطة علمية.

* المعراج في القرآن:
وبعد إثبات إمكان المعراج بالجسد لا بد من إثبات وقوعه بالدليل النقلي إذ ينحصر به فقط. وقد تحدث القرآن الحكيم عن المعراج في أوائل سورة النجم. ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى .

السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان بعد أن ذكر أن المعراج بالجسد ليس بمحال تعرض إلى ما يثبته وقد استظهر من هذه الآيات أن المعراج بالروح فقط. ولكن لو نظرنا إلى ترابط الآيات فيما بينها وإلى الروايات التي تعرضت لها فالظاهر منها أن المعراج كان بالجسد والروح معاً. أما الآيات فلأنها بصدد بيان مقام النبي صلى الله عليه وآله وأنه في مقام قاب قوسين أو أدنى وأنه صلى اللَّه عليه وآله رأى آيات ربه رؤية بصرية وأنه صدق بكل ما رآه ما كذب الفؤاد ما رأى. أي ما رأى البصر بقرينة ما زاغ البصر وما طغى. ثم إن في إخفاء فاعل يغشى إشارة إلى عظمة هذا الأمر وأنه لا يمكن التعبير عنه ﴿ِ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى . هذا الجو لو انتقلنا إلى الروايات لانكشف بشكل جلي لأن الروايات كانت في مقام تفسير هذه المفردات وحالة المعراج. ففي علل الشرائع للشيخ الصدوق وأمالي الشيخ الطوسي إن النبي صلى الله عليه وآله كان قاب قوسين أو أدنى من رب العالمين وفي كتاب تأويل الآيات الباهرات ج‏2 ص‏625 في حديث عن الإمام الكاظم عليه السلام: "فقال جبرائيل لمحمد صلى الله عليه وآله هذه سدرة المنتهى كان ينتهي الأنبياء من قبلك إليها ثم لا يجاوزونها وأنت تجوزها إن شاء الله ليريك من آياته الكبرى". وفي حديث المعراج أن جبرائيل وقف عند سدرة المنتهى ولم يمكنه تجاوزها.

وفي سند معتبر للشيخ الصدوق في علل الشرائع عن الإمام الباقر عليه السلام: "يا حبيب ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى يعني عندها وافى جبرئيل حين صعد إلى السماء قال فلما انتهى إلى محل السدرة وقف جبرئيل دونها وقال يا محمد إن هذا موقفي الذي وضعني اللَّه عز وجلّ فيه ولن أقدر على أن أتقدمه ولكن امضِ أنت أمامك إلى السدرة فقف عندها قال: فتقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى السدرة وتخلف جبرئيل قال أبو جعفر: إنما سميت سدرة المنتهى لأن أعمال أهل الأرض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة... قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله فرأى أغصانها تحت العرش وحوله قال فتجلى بمحمد صلى الله عليه وآله نور الجبار عزّ وجلّ فلما غشي محمداً النور شخص ببصره وارتعدت فرائصه فشد اللَّه تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله قلبه وقوى له بصره حتى رأى من آيات ربه ما رأى وذلك قول اللَّه عزّ وجلّ ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى قال يعني الموافاة فرأى محمد صلى الله عليه وآله ما رأى ببصره من آيات ربه الكبرى، (علل الشرائع، ص‏277). يستظهر من كل ذلك أن سدرة المنتهى مقام لم يصله أحد من الموجودات إلا النبي محمد صلى الله عليه وآله وهذا يستفاد منه أن سدرة المنتهى نهاية عالم الامكان بكل عوالمه. وأن النبي صلى الله عليه وآله لخصوصية إلهية في شخصيته حق له أن يتجاوز هذا المقام ليكون حقاً حاوي عالم الامكان والمشرف عليه بكله. والتعبير بالسدرة فيه هذه الإشارة لأن السدرة في اللغة شجرة كان يجلس تحتها العرب إذ لا شجر غيرها في الصحراء. وفي القرآن كناية عن استظلال عالم الامكان بها. والرواية المتقدمة لا تخالف هذا المعنى بعد أن عبرت أن سدرة المنتهى تنتهي إليها أعمال العباد وكذلك في تصويرها كما في بعض الروايات أن ورقة منها تغطي الدنيا. ولهذا كان لا يمكن لجبرئيل أن يتجاوزها لأن حده دون ذلك.

وثانياً: إن النبي صلى الله عليه وآله رأى ما رأى ببصره وهنا يكمن سر المعراج فنقول: إن عالم الإمكان بعوالمه الثلاثة عالم العقل وعالم المثال وعالم المادة. لا بد وأن تحويها الشريعة الخاتمة بشخص صاحبها. ولذا فلا اشكال من أن النبي صلى الله عليه وآله بنفسه المعصومة كان عالم العقل وعالم المثال فعليين لم يخف عليه شي‏ء منهما. وأما عالم المادة فلمحدودية وجوده المادي فلم يكن بوجوده المادي ليستحضر عالم المادة بكله ولهذا احتاج إلى معجزة المعراج لكي يكون بوجوده المادي قد طوى كل عالم المادة سواء في هذه النشأة أم في نشأة أخرى. وتفاصيل حديث المعراج تؤيد ذلك. والآيات الكبرى التي رآها هي في عالم المادة برؤية بصرية وظاهر الآيات والروايات هو ذلك. وسر هذه المعجزة أن تكون هذه الرسالة الخاتمة رسالة لم يغب عنها أي موجود من موجودات عالم الإمكان لأن رسالة الإسلام ليست فقط مجموعة الأحكام من الأوامر والنواهي إنما هي رسالة الوجود بكل حيثياته وجوانبه ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار وسائط الفيض.

إذاً فالمعراج كمعجزة لا مجال له إلا الجسد وأما الروح فمع تجردها الكامل في النبي صلى الله عليه وآله لا تحتاج إلى معجزة المعراج لأن كل شي‏ء حاضر عندها بالفعل والمعراج حالة عارضة إذاً فلا بد من أن يكون حصوله لما هو فاقده وليس إلا الجسد لخاصية في المادة لا غير.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع