مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الوعد الصادق السيّد محمد حسين إبراهيم


نسرين قازان


﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (النور:37).
اسم الأم:يمامة الموسوي
محل وتاريخ الولادة: النبي شيث /25 - 02 - 1979 م
الوضع العائلي: عازب
رقم القيد: 23
مكان وتاريخ الاستشهاد: وادي الحجير/ 13 - 08 - 2006 م


تسجدُ سبحته على سجَّادة صلاته، وتتلألأ التربة التي طالما لامست جبهته. والصمت الذي يجول في أنحاء غرفته الموصَدة يضجُّ بالذكريات، يردِّد صدى صوته في صلاة الليل؛ يعيد كلمات الدّعاء؛ يحفظُ حفيف أوراق الكتب المتقلّبة بين أصابعه.. هكذا أحبَّ أن يكون متنسِّكاً في غرفته التي تحوي مكتبة صغيرة ومقعدين وسجادة صلاة عليها سبحته، فما إن يخطو داخلها حتَّى يخلع الدنيا عن كتفيه ليأنس بوحدته التي صقلت سكينته وهدوءه..


* بشرى من السماء
في ذلك البيت في النبي شيث، هوى كوكب وضَّاءٌ من السماء وصدح صوت في الأفق أن: "سمِّيه محمَّداً" بينما كانت أمّه تتوضَّأ للصلاة في مقام أبي الفضل العباس عليه السلام، فاستبشرت خيراً بهذه الرؤيا، ورقص قلبها المجاور لجنينها فرحاً. ولم يخب ظنُّ الأمِ بولدها محمَّد حسين، فكان طفلاً واعياً ذكياً يقرأ ما يدور من حوله، ويُلفتُ الآخرين بكثرة صمته، فهو لم يكن يتحدَّث إلا لضرورة، ويستمع للأحاديث بانتباهٍ شديد محافظاً على ترابط الأفكار، وفي مرَّة رآه صديق والده - وهو رجل مسيحي-، فتحدَّث محمد حسين الذي حظي بإعجابه الشديد، ويومها هنَّأ صديقه على ابنه لما يحمله من خصال حميدة وصفات ستتجلَّى في كِبَره أعمالاً يُكبر عليها. وكان لوالده محل لبيع الفاكهة والخضار يجلس فيه محمّد وهو ابن ثماني سنوات لمساعدة أبيه في البيع، وفي أحيان كثيرة كان أبوه يتركه وحده لمعرفته بأنَّ ولده على قدر المسؤوليَّة، فيحمل محمَّد كتبه المدرسيَّة ويحفظ دروسه وهو يبيع الناس.

روح نقية وشخصية طيبة:
ترعرع محمَّد حسين بين إخوته العشرة الذين غمروه بالاهتمام والحنان، وفي كنف والدين ملتزمين لم يحملا همّ أي شيء في هذه الدنيا سوى تربية أولادهما تربية صالحة، فجُبلت شخصيَّته بالطيبة والتواضع والرضا بما قسم الله عز وجل لهم وبالتسليم له. في صِغَره رأى مناماً رسخ في وجدانه، وهو أنَّه مع الإمام علي عليه السلام والإمامين الحسنين عليهما السلام والسيّد موسى الصدر أعاده الله، فأعطاه الإمامان الحسنان عليهما السلام كيساً من الحلوى لإخوته، ولكن إخوته أعطوه الكيس وطلبوا من الإمامين عليهما السلام أن يذهبا إلى مقام النبي شيث لأداء الصلاة مع جدَّيهما. ولا ريب أنَّ هذه الرؤيا أشارت - مع التي سبقت ولادته - إلى أنّ هذا "السيّد الصغير" من السلالة الطاهرة الشريفة يحملُ سرّاً غامضاً بتلك الروحيَّة النقيَّة والعلاقة المميَّزة مع الله عزَّ وجل وأهل البيت عليهم السلام.

* صلاة جار المسجد في المسجد
في قرية النبي شيث؛ عرين المجاهدين، ومثوى الشهداء، عاش محمَّد حسين شاهداً على أبرز المراحل التي شهدتها الأمّة منذ انطلاقة المقاومة الإسلاميّة، فرأى بأمِّ العين حجم التضحيات الجِسَام في سبيل تمكين فكرة الجهاد والمقاومة في عقول الناس، وكيف أنَّهم بدمائهم قلبوا الموازين لتصير المقاومة جزءاً لا يتجزّأ من الأمة. فتأثر محمد حسين بهم كثيراً، وحتَّى لا يختزل نفسه من الحركة الإيمانيَّة – الجهاديَّة التحق بكشافة الإمام المهدي عجل الله فرجه التي تركت أثراً بارزاً في تنوير فكره المعرفيِّ، وتغذية روحيَّته الإيمانية، فواظب دائماً على الصلاة والوجود في المسجد وحثَّ رفاقه على إقامة الصلاة فيه مذكّراً إيَّاهم دوماً بأن لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، والتفت كثيراً إلى طريقة صلاته وواظب على التعقيبات، لذا عندما شبَّ هيأ غرفة خاصَّة به كان يتنسك فيها ويستقبل فيها رفاقه، وكان لا يحبُّ أن يدخلها أحد من دون علمه، ولا يقبل أن يرتبها أو ينظفها أحد غيره، وفي السنوات الخمس الأخيرة كان لا يضع رأسه على وسادته إلا وشريط القرآن في المسجلة، فيغفو وهو يستمع الآيات القرآنية، وكان إذا ما سمع سورة "يوسف عليه السلام" فاضت عيناه بالدموع على الرغم من أنَّه لا يبكي أبداً بسهولة.

* شدّة تعلقه بأهل البيت عليهم السلام
حفِظ محمد قصص الأنبياء عليهم السلام، واهتمَّ كثيراً بقراءة نهج البلاغة وشرحه حتَّى حفظه عن ظهر قلب، ولشدَّة محبَّته وتعلّقه بأهل البيت عليهم السلام لا يُذكر أن تحدّث أحد عن أمير المؤمنين عليه السلام إلا ودمعت عيناه، ولا أن شرب قطرة من الماء لم يذكر بعدها الإمام الحسين عليه السلام، وكثيراً ما كان يرى الأئمَّة عليهم السلام في منامه. درس محمَّد حسين مهنة الميكانيك في المعهد وعمل بها بموازاة تفرّغه في المقاومة الإسلامية، وكان شاباً خدوماً جداً يعملُ قدر استطاعته في سبيل خدمة الناس، وفي مرَّة طلب إليه صهره أن يُصلح له سيارته فوافق، ولكن صادف أن أوكلت إليه مهمة في عمله، فعمل على إصلاحها ليلاً حتَّى يفي بوعده. وقد حملَ ودَّاً كبيراً للآخرين، فكان كثير الدُّعاء للناس بظهر الغيب، ويحتاطُ كثيراً في التعامل معهم خوفاً من أن يُضايق أحداً، أو يزعجه، وإذا ما أخطأ مع شخص لام نفسه، وبادر إلى طلب المسامحة بأسلوبٍ لطيف. اشتهر محمد بحبِّه لتحضير الطعام، فما إن يقف في المطبخ حتَّى ينسى كلَّ شيء، فيهتم بأدقِّ التفاصيل، ولا يُهملُ أي معلومة تفيده في مدِّ سفرة شهيَّة من الطعام.

* اللهم ارزقني الشهادة
كان محمَّد يتهيأ للخطوبة حينما نُفذت عملية الأسر في تموز 2006، وقد اشترى أغلب الحاجيات، ولكنّه ترك كلَّ شيء ليلتحق بعمله، وقد نذر مبلغ مئة ألف ليرة لمقام "النبي شيث" إذا ما استشهد، وأوصى أهله بدفعها، وقبل أن يَنطلق إلى المحور رفع يديه إلى السماء وقال بحرقة قلب: " اللهم بحقِّ محمدٍ وآل محمد (أسألك) أن أستشهد". وفي الجنوب، الأرض التي طالما عشقها وأحبها، قضى أقسى أيام الحرب مقارعاً العدو الصهيوني، إلى أن حطّ رحاله عند أطراف وادي الحجير، ليعرج من هناك إلى حيث سبقه رفاقه والعشرات من أبناء بلدته، الذين قدَّموا دماءهم في سبيل تحرير الأرض، وليعود الكوكبُ الوضّاء إلى فضاء الخلود زاهراً لا يخبو..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع